تحكي مع اصدقاء كثر في غزة، فتسمع منهم، حكايات مؤلمة، عن حياتهم، والواحد منهم اذا اراد السفر لاي سبب ، يحتاج الى شهور، هذا اذا استطاع السفر في نهاية المطاف. معبر رفح مغلق لاعتبارات يعرفها الجميع، ومعبر ايرز مغلق ايضا، ولايمكن المرور من احد المعبرين، الا في حال تم فتح احدهما، او تم التنسيق في حالات نادرة لاسباب صحية او غيرها من اجل الخروج، وغير ذلك فأهل غزة في سجن كبير، ولربما السجن افضل، لان السجن يأتي السجين بطعامه وشرابه وضوء الكهرباء، وعلاجه مجانا. لااحد يتكلم بصوت مرتفع عن هذا العقاب الجماعي، والاسباب السياسية والامنية، تؤدي الى معاقبة كل اهل القطاع، الذين يتم حشرهم في قبو كبيرة فوق بعضهم البعض، فلا هم مع السلطة الوطنية الفلسطينية، ولاهم مع الاحتلال، ولاهم مع مصر، وعليهم ان يموتوا يوميا الف مرة، في ظل ظروف غير انسانية وغير محتملة ابدا. تنقطع الكهرباء، وارزاق الناس صعبة جداً، وقد ذهبوا فرق حسابات في الصراعات السياسية بين اجنحة الثورة الفلسطينية من جهة، وحملوا ايضا فواتير الاحتلال. كيف يمكن لهؤلاء ان يستمروا بهذه الطريقة، ولايسمعون من شعبهم ومن العرب، الا شعرا ونثرا وتحيات عبر الاعلام، تحييهم على صمودهم الاسطوري، والذي يسألهم ويسمع منهم بعيدا عن «مقص الرقيب» لايسمع الا الانين والشكوى عن الحياة المذلة والصعبة، ولاتسمع شعارات الصمود والتصدي، الا من كل شخص يعيش خارج غزة، لان البعيد يمطرهم تنظيرا وتكبيرا وينام مسترخيا تحت اجهزة التبريد في العالم العربي. لايمكن هنا الا ان نطلب وساطة عربية عند القاهرة الرسمية لفتح معبر رفح بشكل طبيعي ودائم للتخفيف عن الناس، واذا كانت القاهرة الرسمية لديها موقف من حماس، وغيرها من تنظيمات،فما ذنب اهل غزة، الذين يحبون مصر اولا، وعلى صلة تاريخية بمصر، ولماذا تتم معاقبة هؤلاء، لوجود حماس في غزة،وهو ذات المشهد الذي رأيناه دوليا عبر ترك غزة مهدمة، خربة، بعد قصفها، وكأن معاقبة حماس تستدعي معاقبة الناس هنا؟!. لابد ان يتحدث احد الى مصر لان فتح معبر رفح، رحمة بالناس، لايضر مصر ابدا، فمصر اكبر بكثير وجدانيا عند العرب والمسلمين، من ان يتم رسمها بصورة المتورطة بحشر اهل غزة، في جهنم الحمراء، بسبب ماتراه القاهرة من مشاكل تتدفق عليها جراء هذا الطرف او ذاك، وعامة الناس، ليس لهم علاقة بكل هذا الذي يجري، فمرضاهم يموتون، وطلبتهم لايذهبون الى جامعاتهم، والمغتربون منهم، لايزورون غزة، خوفا من اغلاق مفاجئ، وحياتهم باتت جحيما في جحيم. بعيدا عن عنتريات الاعلام، والاساءات المرفوضة التي يتورط بها البعض ازاء مصر بعلم او جهل،فلا بد من عدم الاساءة لمصر اولا، شعبا ودولة، ولابد ايضا من يتحدث احد الى مصر فيقنعها ان ترفع اغلاقاتها عن غزة، لان اذى الاغلاق يقع على الناس العاديين، الذين ليس بينهم وبين مصر اي عداوة، يقع على اناس طوال عمرهم يحبون مصر، وينجذبون اليها بلدا عربيا، ومركزا وجدانيا، مثل حالنا وحال بقية العرب. في رأي البعض ان القصة ليست بهذه السهولة التي نظنها عبر هكذا مطالبات، لكننا ايضا نقول بصراحة، ان الذي يسعى الى تثوير الغزيين ضد حماس أثر خنقهم بسبب وجود حماس في حكم غزة، هو شخص مخطئ، فأهل غزة، يمرون بظروف صعبة جدا، ولايمكن تثوير «المتعب والمنهك» ضد سلطته، بل على العكس لربما خنقهم يؤدي الى نتائج عكسية تماما. ان الكلام مصر، ان تعيد النظر في موقفها من القطاع، فكل المشاكل التي يتم الاعلان عنها، يمكن ادارة الموقف منها، بشكل او آخر، دون ان يدفع الغزيين العاديين الثمن، فهم وحدهم يدفعون الكلفة، في حين ان المقصودين بالتشدد ا المصري، لايصلهم الا ماندر من كلفة هذا التشدد، ولااحسب ابدا ان مصر بتاريخها وشعبها وقياداتها، تريد في الاساس ايذاء الغزيين، فهم اللحم الطري على جمر هذا المشهد. مصر ام العرب، ولايمكن ان نقبل ان نتورط وننزلق بالاساءة اليها، تحت اي عنوان، او غريزة عمياء، والذين يعادون مصر، لم يحسبوا حسابا لاهل غزة، بل رموهم حطبا في موقد حساباتهم وصراعاتهم، وكل مانتمناه اليوم، ان يتم الافراج عن اهل غزة، من هذا السجن الكبير، وان تنظر مصر الرسمية والشعبية، الى احوال اكثر من مليوني فلسطيني يعانون بشدة، نيابة عن غيرهم، ولا ذنب لهم في هذه الدنيا، الا انهم في غزة. وأحسب ان رئاسة مصر قادرة على اجتراح حل، يصون مصالحها، وحساباتها، ويفك في ذات الوقت اهل غزة من أسرهم في القطاع، في ظل حياة صعبة جدا، وفي ظل حالة معقدة يدفع فيها الغزيون فاتورة تحالف كل الظروف ضدهم في توقيت واحد. ثم ان مصر تبقى كبيرة...كبيرة جداً حد الامل فيها ان تتذكر ان الابرياء دوما، بحاجة الى اليد التي تنتشلهم، ولاتأخذهم بجريرة غيرهم.