لكي لا يكون عنوان المقال ملتبسا فانا لا اقصد أن حسن نصر الله هو تاجر مدينة البندقية الايطالية اليهودي شيلوك في مسرحية «تاجر البندقية الشهيرة» للأديب الانجليزي وليم شكسبير وان كان قريبا منه بالعقد الدينية والسلوك، ما اقصده أن نصر الله يُتاجر بما يسمي «ببندقية المقاومة» ويوجهها حسبما يقرر ولي أمره الإيراني، فنصر الله هو اقرب ما يكون للوصف الذي أطلقه المرحوم صلاح خلف «أبو أياد» على الإرهابي صبري البنا الملقب بـ «أبو نضال» في كتابه المسمى «بندقية للإيجار».
في خطابة الأخير يوم الجمعة الفائت بمناسبة الذكرى التاسعة لحرب تموز عام 2006 و«النصر الإلهي» الذي تحقق في تلك الحرب كما يحلو لنصر الله تسميته كان واضحا أن الرجل يريد استثمار المناسبة لإعادة إحياء صورته وصورة حزبه باعتبارهما يحملان لواء الدفاع عن فلسطين ومواجهة إسرائيل ومشاريعها التوسعية في المنطقة وذلك بعد أن باتت صورتهما ملوثة بدماء السوريين، وبعد أن أصبحت حرب تموز عمليا هي آخر الحروب بين الحزب وإسرائيل، وتحديدا بعد قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي كرس انتصارا سياسيا وعسكريا تاما لإسرائيل وبعد أن تحمل لبنان واللبنانيون فاتورة الحرب الباهظة واكتفى حسن نصر الله بالتنظير والمزايدة السياسية على كل من ليس من حزبه ونسي انه هو من قام باستفزاز إسرائيل وجرها إلى حرب لم يكن لها ضرورة أو مبرر ولم ينتج عنها لا تحرير مزارع شبعا ولا تحرير فلسطين ولا شي من تلك الشعارات، بل إن النتيجة الأكيدة كانت تدمير لبنان وتحطيم بنيته التحتية والفوقية وتكبيده خسائر فادحة بالمال والأرواح وحسب المجلة الرسمية للجيش اللبناني على موقعها الالكتروني لشهر آب عام 2006 في عددها رقم 254، فان خسائر لبنان كانت على النحو التالي :
- استشهاد أكثر من 1400 شخص، منهم نحو 30 في المائة من الأطفال، وعن إصابة أكثر من أربعة آلاف شخص، كما أسفر عن نزوح ما يقارب المليون مواطن عن أماكن إقامتهم، ما تسبب بكارثة اجتماعية واسعة.
- الأضرار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن الاعتداءات فهي تقارب لـ 8 مليارات دولار. فالخسائر تقدّر بنحو 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدر بدوره بـ20 مليار دولار، وبذلك تكون قيمة الخسائر 8 مليارات دولار.
نصر الله صاحب «النصر الإلهي» وفي لحظة ضمير وطني وبعيدا عن السيطرة الإيرانية قال في لقاء مع صحيفة الحياة بعد انتهاء الحرب قال «.. لو علمنا إن عملية الأسر ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعاً».
والسؤال المهم الذي لم يجب عليه نصر الله طيلة السنوات التسع الماضية، لماذا قام بخطف الجنود الاسرائيليين؟ وهل كان تحرير سمير قنطار يستحق كل هذا الثمن اللبناني الغالي والغالي جدا؟
الحقيقة غير ذلك تماما، فنصر الله والنظام الأمني السوري المحتل للبنان وورائهما إيران تورطوا مجتمعين في عملية اغتيال رفيق الحريري، ولم تكن تلك «العصابة» تتوقع النتائج الكارثية لعملية الاغتيال التي هزت العالم بأسره، وكان من ابرز نتائجها غير المتوقعة رد الفعل الشعبي اللبناني الغاضب الذي نجح في طرد الجيش السوري المحتل للبنان، وأصبحت «شتيمة» نصر الله وبشار الأسد على كل لسان بعد عقدين من الاحتلال الفعلي، فكان القرار في طهران ما يلي:
حرب مع إسرائيل بأية طريقة تعيد إنتاج حزب الله ونظام الأسد وما كان يسمى محور المقاومة كقوة مناهضة لإسرائيل، واستثمار ذلك لاحقا في المعادلة الداخلية اللبنانية ليتحول حزب الله بعد «نصره الإلهي» الوكيل الشرعي لنظام آل الأسد ولإعادة السيطرة على لبنان مرة أخري بعد أن أصبح دم رفيق الحريري في ذمة التاريخ.. هكذا كانوا يفكرون!
حسن نصر الله وفي نظر مئات الملايين من العرب والمسلمين هو مجرد «أداة ايرانية»، بعد أن حول بندقيته من حيفا والقدس ومدن فلسطين إلى الزبداني والحسكة وحمص وغيرها من المدن السورية.
نصر الله وحزبه مجرد بندقية إيرانية في سوريا حيث الهزيمة وفي العراق حيث الورطة، وفي اليمن حيث العار، وفي زعزعة امن الكويت والبحرين والسعودية حيث الانهيار التام !
فأي بندقية رخيصة هذه؟