جون ليمبرت
على مدى العقود الثلاثة الماضية سقطت الولايات المتحدة وإيران في دوامة الكراهية المتبادلة، تبادل خلالها الجانبان الاتهامات والتهديدات وما هو أسوأ من ذلك في بعض الأحيان. تحدث المسؤولون الأميركيون عن «احترام متبادل» على الرغم من وصفهم الجمهورية الإسلامية بـ«البغيضة» والإصرار على ضرورة تعديل سلوكها. وعندما سئل المسؤولون الإيرانيون حول الكيفية التي يمكن من خلالها تحسين العلاقات، لم يكن لديهم ما يقدمونه عدا ذكر قائمة المظالم المتراكمة منذ ستة عقود. وتحول الجانبان إلى أسرى للافتراضات السيئة والشعارات العقيمة وانعدام الثقة والفهم الخاطئ والعداء المتأصل. ويواجه الجانبان الآن خطر الانزلاق إلى نزاع مسلح غير متكافئ وكارثي تقول كلتا الدولتين إنها لا تريده.
للإفلات من سيطرة كل هذه الشكوك والاستياء والمظالم المتراكمة يجب التحلي بقدر أكبر من الصبر والتحمل مما أظهره كلا الجانبين حتى الآن. فرغم مرور ستين عاما على انقلاب عام 1953 المدعوم من وكالة المخابرات المركزية و34 عاما على أزمة رهائن السفارة الأميركية عام 1979، لا تزال القطيعة قائمة ووجدت الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية نفسيهما عالقتين على طريق مجهول. عندما يسعى المسؤولون - من كلا الجانبين - إلى ترك هذا الطريق وتغيير العلاقة إلى شيء أكثر إنتاجية لكلا الجانبين، يقابلون بانعدام الثقة العميق، وسوء الفهم، والافتراضات السيئة، والتوقيت السيئ، وأحيانا مجرد سوء الحظ.
في عام 2009، شرع الرئيس باراك أوباما في القيام بمحاولة لإجراء حوار، في إشارة إلى بعض التحولات الرمزية المهمة في السياسة الأميركية، عندما هنأ الشعب الإيراني وتحديدا «قادة الجمهورية الإسلامية» بعيد النيروز (رأس السنة الإيرانية)، فيما يعد تغييرا كبيرا في اللغة، واقتبس بعض أبيات من الشعر الفارسي، مع الاعتراف ضمنا بعظمة الحضارة الإيرانية. وتحدث عن الحوار من دون شروط مسبقة حول المسائل ذات الاهتمام المشترك على أساس الاحترام المتبادل.
بيد أن أوباما لم يكن يملك الكثير لدعم هذه الجهود. فقد رفضت واشنطن مواجهة الشكوك التي صاحبت هذا التغيير في الاتجاه. وعند العقبة الأولى، بدت إدارة أوباما وكأنها استسلمت وقالت: «حسنا، حاولنا أن نكون عقلاء، لكن كيف يمكنك التعامل مع أي أشخاص غير منطقيين، مثلهم؟». لم يكن هناك صبر ولا إرادة سياسية لانتهاج مسار مختلف مع إيران. ولم يكن هناك وضوح في هدف لإدارة تحمل الانتكاسات والرفض الأولي. ماذا تريد الولايات المتحدة من سياستها تجاه إيران؟ ما هو الهدف؟ هل هي علاقة تسمح للجانبين بالحوار، حتى وإن كانوا غير أصدقاء، أم كان الهدف جمهورية إسلامية معتدلة تعمل وفقا للأهداف الأميركية؟ وعادت الإدارة من مسار غير مألوف لبناء علاقة جديدة إلى اللغة المألوفة من الشجب والعقاب.
عادت واشنطن إلى السياسات التي تعرفها جيدا، والتي فشلت في تغيير أي شيء على مدى ثلاثين عاما. وأعلنت عن سياسة «المسار الثنائي» مع إيران التي من شأنها أن تجمع بين عروض الحوار مع زيادة الضغط، وتمثل المسار الثاني في عقوبات اقتصادية جديدة، سواء أكانت أحادية أم دولية. إلا أنه لم يكن هناك سوى مسار واحد فقط، هو الضغط. ووجد مسؤولو الإدارة أنفسهم يقضون معظم وقتهم وطاقتهم في السعي لفرض عقوبات، من دون بذل أي جهد للبحث عن الحوار. كان التفاوض لفرض عقوبات ومعاقبة الجمهورية الإسلامية بسبب خطاياها شيئا تقوم به الإدارات المتعاقبة منذ عام 1979، وبحلول عام 2009 كانوا قد أجادوا ذلك. فقد قضى المسؤولون الأميركيون حياتهم المهنية في تقريع إيران، وإن لم يسفر ذلك عن نتائج إيجابية ملحوظة.
وطالما أن القضية النووية تحتل مركز الصدارة، فلن يكون هناك تقدم أو تغيير كبير في تلك الدورة الطويلة من العداء. ومما يضاعف المشكلة هو حقيقة أن القضايا الأخرى، حيث توجد أرضية مشتركة ممكنة، أصبحت رهينة للمحادثات النووية المحظورة. وكانت النتيجة جمودا غير قابل للكسر، حيث يشارك الجانبان في لقاءات متكررة وغير مجدية ثم إلقاء اللوم على بعضهما البعض في المأزق الناتج. هذا المأزق الناتج عن الفشل المتكرر حول القضية النووية يحول دون استكشاف الجانبين للمناطق التي يمكن أن يكون فيها اتفاق ممكن والتي قد يكتشفون معها أنهم إن وافقوا فلن تقع السماء على الأرض.
هل هناك وسيلة للخروج من هذا المأزق؟ على الجانب الأميركي، يحتاج المسؤولون أن يدركوا الحقيقة وراء تفضيلهم المعلن في أغلب الأحيان التفاوض من أجل الضغط، وأن ما يسمى بسياسة «المسار الثنائي» الذي يجمع بين المفاوضات والضغط مسرحية هزلية. فلم يكن هناك سوى مسار واحد فقط، وكان الضغط هو وسيلة واشنطن الوحيدة لإقناع الإيرانيين. والحقيقة هي أن قادة طهران سيتخذون قرارات مبنية على منطقهم ووجهات نظرهم الخاصة - سواء أكانت صحيحة أم خاطئة - بشأن المصلحة الوطنية وسلامة بلادهم. وككل الدول في المنطقة تقريبا، تشعر الجمهورية الإسلامية بأنها مهددة، وحتى عندما تكون أدلة التهديد مفقودة يمكن تفسير الأحداث مثل الانتقادات الداخلية كدليل على أن الغرباء يعكفون على الإطاحة بها.
الأمر المؤكد هو أن ما قامت به الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثين عاما لم يحقق أي نتيجة سوى، ما عبرت عنه كلمات الرئيس أوباما، «السخط الواضح»، وللحظة أوصدت البوابة الكبيرة إلى تسوية شاملة وعلاقة جديدة. وكان لدى كل طرف الكثير من المظالم المخزونة، ووضع الكثير من الافتراضات حول النيات الخبيثة للطرف الآخر. نحن بحاجة إلى ما يسميه المجريون «ذا كيسكابو»، بوابة صغيرة، الثغرة، لا تتمكن فيها الشبهات، الأفكار المسبقة السلبية، والافتراضات السيئة، والأجندات السياسية من سد الممر الضيق إلى تحقيق التقدم.
التغييرات في هذا الباب الضيق قد تكون صغيرة ورمزية مثل موافقة لعقد اجتماع، أو الإفراج عن سجين بهدوء، أو المصافحة، أو تغيير في نبرة التصريحات العلنية، أو شيء غفل ذكره. كل هذه الأشياء الصغيرة، وتطبيقها بنوع من الصبر، بالإضافة إلى القرار الرئاسي الأميركي بأن الولايات المتحدة عازمة على إقامة علاقة مختلفة مع الجمهورية الإسلامية، ربما تمكننا من التراجع عن حافة نزاع مسلح من شأنه أن يلحق ضررا لا يمكن إصلاحه لكلا الجانبين.