محمد صلاح
لا يوجد إعلان رسمي عن المكان المحتجز فيه الدكتور محمد مرسي، وحين صدرت أصوات غربية مطالبة بإطلاقه ردت القاهرة بأنه في مكان آمن ويعامل معاملة لائقة. ترك مرسي مقر الاتحادية وكذلك بيته في القاهرة الجديد وكل المؤشرات تؤكد أنه سيكون قريباً خلف القضبان يحاكم في قضية ما، قد تكون تخابراً أو فساداً أو قتل متظاهرين، المهم أن خروجه إلى الأضواء بات قريباً لكن عودته إلى مكتب الإرشاد تظل بعيدة!
يقسم شارع التسعين في القاهرة الجديدة، حيث المنتجعات والفيلل والمساكن الراقية، المنطقة إلى قسمين. لكن بيوت زعماء «الإخوان»، وأعضاء مكتب الإرشاد الحاليين والسابقين أيضاً، تتناثر بين شوارع الحي وخلف جدران منتجعاته، وعند منتصف الشارع طريق يربط ما بين شارع التسعين ومنطقة القصور الفخمة في التجمع الخامس والتي يحتضنها منتجع «غولف القطامية» الشهير. في ذلك الطريق يقع منزل الدكتور محمد مرسي حيث صار المشهد عنده مثيراً للاندهاش، إذ لا دليل على أن هنا كان يسكن رئيس لمصر. وإذا لم تكن تعرف أن مرسي سكن في هذا المكان فإنك ستمر عليه من دون أن يشد انتباهك أي شيء! إذا ساقتك الظروف لتمر أمام بيوت: جمال عبدالناصر أو أنور السادات أو حتى حسني مبارك فستدرك من الوهلة الأولى أن خلف الجدران منزلاً لشخص مهم، أو كان مهماً، ليس فقط لكون الحراسات المفروضة ولو شكلياً على تلك المنازل ما زالت قائمة ولكن، لأن هيبة المكان تفرض نفسها على المارين حوله أو أمامه. سكن مرسي عبارة عن شقة في إحدى طبقات فيلا تتوسط الشارع وتحول المكان أمامها طوال سنة، هي فترة حكمه، إلى ثكنة عسكرية حيث المدرعات وجنود الحرس الجمهوري وأمن الرئاسة والاستخبارات العامة والأمن الوطني وشرطة الأمن العام، وضباط وجنود المرور يحيطون البناية ويرسمون شكلها ويفرضون الهيبة على المارين ولو رغماً عنهم، والإجراءات الأمنية الصارمة على الجيران والذين لم يكن أمامهم سوى الامتثال أو الرحيل، وبعضهم بالفعل امتثل، وآخرون رحلوا، لكن يبدو أنهم عادوا بعدما عُزل مرسي وأبعد عن القصر الرئاسي.
طبعاً، اختلفت الحال بعد العزل واختفاء مرسي حيث يعتقد «الإخوان» أنه محتجز في دار الحرس الجمهوري بينما باقي المصريين يرجحون ألا يكون داخل الدار وإنما نقل إلى مكان آخر، إذ تفرض أبسط قواعد الأمن في أمور كتلك أن ينقل «الهدف» إلى حيث لا يتوقع أحد خصوصاً المطالبين المصرين المتكاتلين من أجل الحصول عليه! مرسي خارج القاهرة في مكان آمن يحرسه ضباط وجنود الجيش ويحمونه من أي خطر وفي الوقت نفسه هم سجانوه وحراس المجتمع منه ومن جماعته!
سيهدأ «الإخوان» إذا نالوا ما يطمئنهم إلى تنظيمهم وسلامة قادتهم وضمنوا جزءاً من المشهد السياسي في المستقبل، وأن يظلوا لاعبين أساسيين فيه، وإذا ما خرج الشاطر من السجن وأُبطل قرار ضبط المرشد والبلتاجي والعريان وإذا ما حصلوا على وعد بإغلاق ملف قضية فرار مرسي من سجن وادي النطرون وضمنوا عدم استغلال اتصالات الرئيس المعزول أثناء حكمه وعلاقاته ببعض القوى والشخصيات الخارجية في توريطه في قضايا تخابر أو خيانة أو إضرار بأمن البلاد وسلامتها.
في المقابل تعامل الجيش، وعلى رأسه الفريق عبدالفتاح السيسي، مع «الإخوان» بالأسلوب نفسه الذي ظل مرسي يمارسه مع معارضيه: «خليهم يتظاهروا». لن يلجأ الجيش إلى فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة وإن كان لا يتوانى عن التحذير من تأثير الاعتصام في أحوال البلاد خصوصاً الاقتصاد، وفي الوقت نفسه لن يخشى الجيش من تكرار واقعة «نادي الحرس الجمهوري» إذا ما هاجم «الإخوان» مجدداً أي منشأة عسكرية. واقع الحال يشير إلى معاناة جموع «الإخوان» من حالة إنهاك بسبب كثرة المسيرات واعتراض أهالي الأحياء التي يمرون بها واعتدائهم عليهم. الأمر قد يستمر بعض الوقت إلى أن يخرج الجيش أو السلطة الحاكمة على الجميع بمرسي في سجن طرة محبوساً بأمر النيابة... والشعب.