يتوقع أن تصدر 'مجموعة الأزمات الدولية' اليوم، الأربعاء، تقريرا تحذر فيه من أن خطر تنفيذ عدوان إسرائيلي جديد ضد قطاع غزة أكبر من احتمال التوصل إلى اتفاق تهدئة بين إسرائيل وحماس، وأن الأسباب التي أدت إلى العدوان على غزة، الصيف الماضي، ما زالت قائمة الآن أيضا، ويضاف إليها أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع تنفيذ مشاريع إعادة إعمار الدمار الهائل الذي خلفه عدوان الصيف الماضي والشعور بمرارة فقدان 2200 مواطن استشهدوا بالقصف الإسرائيلي.
من جانبها، إسرائيل لا تكترث بما يحصل داخل القطاع وتعلن أن ما يهمها هو الحفاظ على الهدوء، لكن هذا لا يمنعها من تنفيذ عمليات استفزازية، مثل توغل آلياتها في أطراف القطاع. وتنفذ إسرائيل بذلك عقيدة 'الجدار الحديدي'، التي وضعها زعيم اليمين الصهيوني زئيف جابوتينسكي، في العام 1923، وتعني، باختصار شديد، أنه يجب توجيه الضربات المتواصلة للفلسطينيين حتى يستسلموا ويقتنعوا بوجود إسرائيل ولذلك فإنه لا جدوى من النضال ضده، أو ضد احتلالها الآن.
ويوحي أداء إسرائيل تجاه قطاع غزة كأنها تريد أن تتوصل إلى تهدئة، أي وقف إطلاق نار، لسنوات طويلة. لكن يبدو أن إسرائيل لا تفكر بذلك بشكل جدي، وصناع القرار فيها لا يريدون تهدئة طويلة كهذه، ولا يتحسبون أبدا من جولة قتال مع المقاومة في غزة. وثمة معلومة مثيرة في هذا السياق، مفادها أن إسرائيل تستخدم في كل حرب أسلحة حديثة، من تطوير صناعاتها العسكرية، وتسوقها في العالم من خلال هذا الاستخدام أثناء الحروب.
وفي ما يتعلق بالاتصالات حول التهدئة، فإن التقارير التي نُشرت بهذا الخصوص تفيد بأنها غير مباشرة بطبيعة الحال، وأن الوسيط فيها تركيا، وربما مصر أيضا من خلال مخابراتها. وكل واحد من هذين الوسيطين هو مشكلة بالنسبة لأحد الطرفين. فالعلاقات بين إسرائيل وتركيا تمر بأزمة منذ خمسة أعوام، في أعقاب مهاجمة الجيش الإسرائيلي لأسطول الحرية التركي. والعلاقات بين مصر وحركة حماس تواجه أزمة شديدة، كما هو معروف.
وفي حال تم التوصل إلى اتفاق تهدئة، فإن تركيا ستعيد دبلوماسيين بمستوى عال إلى سفارتها في تل أبيب. لكن إسرائيل، على ما يبدو، لن تمنح تركيا 'هدية' تتمثل بظهورها كمن نجحت في رفع الحصار عن غزة. كذلك فإن إسرائيل لم تتضرر كثيرا من الأزمة في علاقاتها مع تركيا، إذ ليس فقط أن العلاقات التجارية بين الدولتين لم تتراجع، بل أنه تحسن بشكل كبير بعد أن أصبحت تركيا، في أعقاب الأزمة السورية، تصدر بضائعها إلى دول الخليج عبر موانئ إسرائيل ومنها إلى الأردن ودول الخليج.
وخلال الفترة التي مرّت منذ انتهاء الحرب العدوانية على غزة، والتي يصادف اليوم الذكرى السنوية الأولى لها، امتنعت إسرائيل عن الاستجابة لمطالب بتخفيف الحصار، رغم تصاعد معاناة سكانه. وتحاول إسرائيل تصوير حصار القطاع بأنه حصار لحماس والفصائل الأخرى متجاهلة بشكل كامل وجود السكان، الذين بلغ عددهم مؤخرا مليوني نسمة. والنتيجة الحتمية لاستمرار هذه السياسة الإسرائيلية، واستمرار انسداد الأفق السياسي، ستكون تفجر الغضب في غزة والعودة إلى إطلاق الصواريخ ودوامة الحرب، علّها تحقق ما لم تحققه الاتصالات والوساطات.