رام الله - الكاشف نيوز : تظهر شهادات معتقلين سابقين لدى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة، تعرّضهم لأشكال متعددة من التعذيب خلال فترة التحقيق والاعتقال في سجون ومراكز توقيف تابعة للسلطة، وهو ما دعمته تقارير حقوقية مستقلة.
وتأتي تلك الشهادات في الوقت الذي نفى فيه مسؤولون في السلطة الفلسطينية حدوث تلك الحالات خلال التحقيق مع المعتقلين، وأبدوا استعدادهم لأي ملاحقة ومتابعة قانونية داخليا، غير أن دعوات لملاحقة السلطة في المحاكم الدولية على تهم تتعلق بالتعذيب، بدأت تطفو على السطح مؤخرا، بعد انضمام السلطة الفلسطينية للمنظمات الدولية وتأهيلها كعضو كامل فيها.
مؤسسة "الضمير" لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، أكّدت في تقرير لها الأسبوع الماضي، تعرّض بعض المعتقلين السياسيين في سجون السلطة للتعذيب على أيدي محققي جهازي "المخابرات" و"الأمن الوقائي".
وتوضح سحر فرنسيس مدير مؤسسة "الضمير" أنه ومن خلال متابعة المؤسسة لبعض القضايا "ثبت وجود انتهاكات يتعرض لها المعتقلون خلال الاحتجاز والتحقيق، حيث يتم شبح بعضهم في أوضاع مؤلمة وضرب وصراخ وشتم وإهانات، وأساليب تعذيب معروفة وهو ما يتنافي مع التزامات فلسطين بالتوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب".
وتذكر فرنسيس أن الفترة الواقعة بين الأعوام 2005 - 2009، شهدت لجوء السلطة إلى "أساليب تعذيب بشعة راح ضحيتها أربعة مواطنين، قتلوا تحت سياط التعذيب، ولم يكن هناك أي مساءلة او ملاحقة قضائية للمتورطين"، مستدركة أنه بعد تلك الفترة "حدث تراجع في حالات التعذيب إلى درجات أخف، لكنه مازال مستمرا" وفق قولها.
ويعرف التعذيب بأنه "التسبب بإيلام شديد لأي شخص محتجز لدى موظف رسمي، من أجل استخراج معلومات، وهو ما ينطبق على ممارسات الأجهزة الأمنية بالضفة" وفقا لما تراه فرنسيس.
وبسبب استمرار حالات التعذيب مؤخرا، فإن مؤسسة "الضمير" لجأت إلى رفع شكاوى للمقرر الخاص بمناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، بعد انضمام السلطة للمعاهدات الدولية.
وتوضح فرانسيس أنه "يتم رفع تقارير لمجلس حقوق الإنسان والمقرر الخاص، وبعث رسائل داخلية وعقد لقاءات مع المستشارين القانونيين للأجهزة الأمنية الفلسطينية لتوضيح حجم الانتهاكات، وتشجيع من يتعرض للتعذيب لرفع شكاوى .. والتواصل مع ممثليات الدول والسفراء، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، حول استمرار الدعم المالي للأجهزة الأمنية رغم الانتهاكات".
ويدعم موقف مؤسسة "الضمير" شهادة الطالب في جامعة بيرزيت محمد سلامة العاروي (23 عاما) عمّا تعرض له من تعذيب لدى جهاز المخابرات في رام الله خلال 28 يوما من الاعتقال في شهر رمضان الماضي.
ويروي العاروي شهادته قائلا "في ظهر يوم 4 تموز (يوليو) 2015، ولدى مغادرتي الجامعة اعترض طريقي مركبتان لمسلحين بلباس مدني، وبعد التعرف على هويتي جرى اصطحابي لمركز المخابرات، وبدأ التحقيق معي مباشرة بتهم تتعلق بتلقي أموال، ويجب الكشف عنها، وهو الأمر الذي لم يكن لدي خلفية حوله، واخبرني المحققون بأنه لابد من الاعتراف قبل الإفراج".
ويتابع "في اليوم الأول تم استجوابي وانا مكبل اليدين، ومعصوب العينين وتعرضت للضرب في أنحاء من جسدي، وتم ضرب رأسي بشدة في الحائط حتى فقدت الوعي، ورشوا الماء على وجهي حتى استفيق وتكرر ذلك ثلاث مرات (...) واشتدت عملية التعذيب بعد عرضي على النيابة وتوقيفي لمدة 24 ساعة".
ويشير العاروي إلى أن أفراد جهاز المخابرات كانوا يجمعون المعتقلين ليسمعوا صراخي أثناء جولات التعذيب التي أتعرض لها، ويتم ابتزازهم بذلك مقابل الاعتراف أو تكرار التجربة معهم" بحسب روايته.
ويضيف العاروي، الذي يبدي استعدادا لملاحقة السلطة في القضاء المحلي والدولي، أن أقسى مراحل التعذيب كانت "عندما تم تعليقي على إحدى نوافذ غرف التحقيق، ويدي للخلف ويتم الضرب بقوة على أجزاء من جسدي حتى أفقد الوعي .. كنت انقل يومياً للمستشفى والعيادة الطبية طوال العشرة أيام التي تعرضت فيها للتعذيب، ولدى زيارة المراكز الحقوقية والصليب الأحمر للسجن كانوا يخرجونني خارج المقر بدعوى الذهاب للمحكمة، ويمنعونني من لقاء المحامي، إلى أن جرى الإفراج عني في اليوم السادس والعشرين، وإعادة اعتقالي قبل خروجي من بوابة السجن ليومين إضافيين".
من جانبه يصر الشاب المحامي أحمد أبو فخيذة على ملاحقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، على خلفية تعريضه للضرب، والشتائم التي تمس الشرف، كما قال في حديثه مع "قدس برس".
ويؤكد أبو فخيذة تعرضه للتعذيب والضرب المبرح والشتم لدى اعتقاله من منزله في رام الله في يوم 2 آب (أغسطس) 2015، من قبل 7 من عناصر جهاز الأمن الوقائي، حيث قاموا بتفتيش منزله بدون قرار من النيابة العامة، وخلال فترة الاعتقال لم يتعرض لأي شكل من أشكال التعذيب ونفى المحققون له علاقتهم بتعرضه للضرب.
ويدرس أبو فخيذة التوجه للمحاكم الدولية لملاحقة السلطة على استمرارها في سياسة تعذيب المعتقلين السياسيين لديها، وفقا لما نقله عن معتقلين التقى بهم، معتبرا أن القضاء التابع للسلطة الفلسطينية لا يعطي المواطن الحماية المدنية بالتعويض جراء الاضرار التي لحقت به، أو يمنع إعادة اعتقاله.
ويذهب تقرير دولي صادر عن "المنظمة العربية لحقوق الانسان" في بريطانيا إلى أبعد مما تطرقت إليه مؤسسة "الضمير" بالقول إن "مقر المخابرات في مدينة بيت لحم تحول إلى مسلخ للتعذيب".
ودعت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" في بريطانيا، أمين عام الأمم المتحدة ومكتب مدعي عام المحكمة الجنائية إلى إرسال فريق لزيارة السجون التابعة للسلطة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص مقر مخابرات بيت لحم وسجن أريحا ونابلس، وذلك للتحقيق في جرائم التعذيب التي ترتكب بشكل يومي.
ولم تفلح جهود "قدس برس" وعلى مدار أيام للحصول على رد من المؤسسة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، حول الاتهامات التي أوردتها الجهات الحقوقية، وشهادات بعض المعتقلين حول تعرضهم للتعذيب لدى أجهزة أمن السلطة.
فيما تنفي أجهزة السلطة ممارسة أي اعتقال سياسي في الضفة الغربية وتعمد دوما إلى تكذيب الأحاديث والروايات حول وجود حالات تعذيب يتعرض لها معتقلون على خلفية سياسية، حيث أكد اللواء عدنان الضميري الناطق الرسمي باسم المؤسسة الأمنية في عدة مناسبات، على أن "عمل الأجهزة الأمنية يخضع لرقابة شديدة ويجري فرض عقوبات على من يخالف القوانين"، وفق تأكيده.
وتقول المؤسسة الأمنية الفلسطينية إنها على استعداد تام للتحقيق في أي تجاوز للقانون واتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة للحفاظ على حقوق المواطن.