صحيفة يديعوت احرونوت الصهيونية, أوردت في عددها يوم أمس خبراً مثيراً وقعّه أحد كبار محرريها اليكس فيشمان في مقالة افتتاحية زعم فيها «ان روسيا وايران – بموافقة صامتة من الولايات المتحدة – اتخذتا قراراً استراتيجياً للقتال في سبيل الأسد من أجل انقاذه».. وإذ تحفل مقالة فيشمان بكثير من الاشارات التي تتحدث – وكأن ذلك قد تم فعلاً – عن بدء سلاح الجو الروسي الطيران في سماء سوريا، وحيث سيصل طيارون حربيون روس في الأيام القريبة القادمة الى سوريا، ويستخدمون مروحيات قتالية وطائرات قتالية، تابعة لسلاح الجو الروسي ضد أهداف داعش وضد الميليشيات الاسلامية المتطرفة التي تعمل على إسقاط الاسد.
فإن من الضروري هنا بل والمفيد التعاطي مع أخبار مفبركة كهذه بمزيد من الحذر والتشكيك, ليس فقط في أن خطوة (روسية او ايرانية) كهذه لم تُتخذ بعد وانما ايضاً لأن الإقدام عليها من قبل موسكو وطهران اللتين لا تخفيان دعمهما المطلق (نعم المطلق وغير المحدود للنظام السوري ورئيسه، ورغم كل محاولات التشكيك والدّس والزعم بأن موسكو وطهران مستعدتان لبيع الأسد مقابل تأمين مصالحهما)، يعني الافساح في المجال لدول عديدة كي تجاهر بتدخلها في الشأن السوري وتعمل على رفع وتيرة انغماسها الدموي في الأوضاع السورية ورهانها على اسقاط النظام.
المقالة مليئة بـ «المعلومات» المثيرة التي تتحدث «ان قطاراً جوياً وصل الى سوريا» وقوة طليعية تمركزت في مطار يخضع لسيطرة الرئيس الأسد، فضلاً عن «آلاف» من الجيش الروسي يُتوقع وصولهم الى سوريا في الأسابيع القريبة القادمة, كمستشارين ومرشدين ورجال الجهاز اللوجستي والفني ومقاتلين من جهاز مضادات الطائرات وطيارين سيستخدمون الطائرات التي ستصل من روسيا.
مثل هذه المبالغات اقرب الى «غزو» منها الى انخراط في المعركة ضد الارهابيين والتكفيريين والظلاميين والمرتزقة الذين يعيثون دماراً وتقتيلاً وتخريباً في سوريا بدعم معلن ووقح من تركيا وعواصم الغرب الاستعماري , التي فقد بعضها حياءه ولم يعد يُخفي انخراطه ومشاركته الاجرامية في الحرب على سوريا الدولة والشعب والتاريخ والدور والمكانة.
ولأن روسيا بوتين لا تترك امورها الى الصدف وتحسب خطواتها بدقة وبرود اعصاب, فإن خطوة دراماتيكية كهذه, لا يمكن ان تُتخذ الا في ظروف وأوضاع ميدانية استثنائية جداً وخطيرة, يمكن ان تتعرض لها الدولة السورية على نحو يُهدد بقلب موازين القوى ويدفع الامور نحو المواجهة الحتمية, وهي ظروف مُستبعدة ميدانياً وعملياً حتى هذه اللحظة, ما بالك وأن «توافقات» ولو غير مكتملة أو خجولة, قد تمت في اتجاه تكريس المزيد من الجهود لايجاد حل سياسي للازمة تنخرط فيها على نحو شبه احادي الدبلوماسية الروسية وتحظى «مبادرة» او خطة المبعوث الاممي الى سوريا ستيفان دي ميستورا بدعم اعضاء مجلس الامن, فضلاً عن محاولات تُبذل في اكثر من عاصمة اقليمية لترطيب (أو ترتيب) الاجواء بين دمشق؟
لم نُهمل موقف واشنطن بالطبع والاخيرة خرجت على العالم عبر وزارة خارجيتها لتقول في فظاظة وعلى نحو غير متوقع بل نأسف للجهود التي بُذلت من اجل وضع قطار الحل السياسي على سكتة, «انها مُلتزمة بالانتقال السياسي في سوريا ولكن بعيداً عن الاسد».. فاذا كان موقف ادارة اوباما التي تخوض معركة «كرامة» مع الكونغرس بمجلسيه, لتمرير اتفاق فيينا مع طهران, هو على هذا النحو, فهل ستُقدم موسكو على موقف يوازي ذلك الذي حاولت يديعوت احرونوت الاسرائيلية تمريره في اجواء «سورية» صعبة ومعقدة وملبدة؟ دون اهمال واكلاف الاوضاع التي عادت الى التوتر وارتفاع لهجة التصعيد العسكري لدى حكومة كييف ورئيسها بوروشينكو وازدياد تدفق الجنود والمعدات التي يدفع بها حلف الاطلسي في الجمهوريات المحاذية لروسيا.
طبعاً يصعُب انكار ان موسكو تزيد من توريداتها العسكرية المختلفة والمتطورة الى سوريا وان دعمها السياسي والدبلوماسي لها ما يزال قائماً, كذلك الحال مع ايران التي لم تتوقف عن تقديم كل اشكال الدعم لها حتى في ظل الحصار الخانق المفروض عليها وخلال المفاوضات مع منتدى الستة, ما بالك الان.
الا ان ذلك لا يعني ان روسيا قد قررت الانخراط في الحرب الدائرة الان على سوريا (طبعاً لصالح دمشق) وإن كان من المعقول الافتراض مشاركتها في الحرب على الارهاب, لكن انخراطها مشروط بمشاركة النظام السوري في هذه الحرب وهو أمر ما تزال تعارضه اميركا واتباعها في المنطقة.