اليوم.. ستقرر فرنسا الانضمام الى نادي التحالف الدولي المناهض لداعش بعد سنة من قيام هذا التحالف، فرنسا هولاند وبعد أن اجتاحتها موجات اللاجئين القادمين من بلاد «الربيع العربي» وبخاصة بعد أن اطاح الاطالسة بالرئيس الليبي وحولوا ليبيا الى ساحة للفوضى والميليشيات وشاطئ عبور «جنوبي» نحو الشمال لموجات اللاجئين، وفتحوا الطريق أمام داعش كي يبقى ويتمدد ويتلقى امير المؤمنين ابو بكر البغدادي مبايعات المجاهدين في ولاية سينا وفي بلاد المغرب العربي وخصوصاً بوكوحرام، التي هي نتاج كل الصلف والغطرسة الاستعمارية الفرنسية، قررت الان ان توجه «ضربات» الى داعش.
بل إن بريطانيا كاميرون هي الاخرى قررت الانضمام الى نادي التحالف، علّها بذلك تستدرك الأمور، قبل ان يُصار الى ترتيبات «اقليمية» جديدة، قد تُؤسس لحل سياسي للازمة السورية، بعد ان اوشكت موجات اللاجئين على تغيير المشهد الاوروبي وإحداث تحولات ديموغرافية وبنيوية داخل الاتحاد الاوروبي نفسه، الذي بدأت صيغته بالترنح، سواء في ما خص الحدود المفتوحة التي وفرتها اتفاقية «شينغن» ام في التراشق الاعلامي والضرب تحت الحزام الذي تتبادله دول الاتحاد في ما بينها، إن لجهة التهديدات التي تُعلنها المستشارة الالمانية ميركل تجاه كل الدول التي لا تقبل «الحصص» المُقرّرة عليها من اللاجئين الذين يجب استقبالهم أم ازاء الشكاوى المريرة التي تطلقها بعض دول الاتحاد وبخاصة الاوروبية «الشرقية» منها، التي وجدت نفسها امام استحقاق حسبت أنها ليست معنية بتسديده لاسباب عديدة، ليس أقلها ارتفاع منسوب العداء للاجئين أنفسهم من قبل تيارات قومية يمينية متطرفة أم تلك التي ترفع شعار «لا.. لأسلمة اوروبا».
ثمة جانب آخر في هذه الحماسة الفرنسية البريطانية المُستجدة ازاء المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة الارهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، وهو الاحتمال القائم المحمول على تسريبات غربية (واسرائيلية) حول انخراط روسي «عسكري» ما, في الازمة السورية, ما يستدعي تواجداً عسكرياً غربياً مماثلاً تحت غطاء التحالف المذكور, حتى لا يُحدِث الانخراط الروسي المُفترض، اختلالاً في التوازنات القائمة الان, رغم أنها توازنات مُترنحة وغير مضمونة، بعد سقوط رهانات «اصدقاء سوريا» في استثمار أو توظيف المعارضات السورية، التي لم تعد ذات صلة أو شأن في ما يجري في سوريا, بل استنفدت المهمة (....) التي انيطت بها، وبسقوط مدوّ وفشل ذريع للطرفين الداعم والمُتبني والمُحتضِن, كذلك الدُمى والأدوات التي ظلت أنها بالفعل قادرة على تمثيل الشعب السوري ونيل ثقته.
في كل ما يجري، يبدو أن باريس ولندن وقبلهما انقرة، ما تزال تعتقد أن ما بعد اتفاق فيينا هو ما قبله، وأن معادلة التحالفات والاصطفافات المُرشحة للقيام في الاشهر القريبة (أبعدها نهاية العام) هي نفسها التي كانت سائدة قبل الرابع عشر من تموز الماضي, يوم استفاق العالم على انباء التوصل لاتفاق ظن كثيرون أنه لن يرى النور، ولكل منهم أسبابه ومبرراته وخصوصاً أوهامه.
ولأن «ضربة» اردوغان «اليتيمة» وغير المؤكدة بالمناسبة لداعش في سوريا لم تتكرر، بل كانت ربما-اذا ما تمت-لرفع العتب الاميركي ووقف التشكيك الاميركي والاوروبي المتصاعد في نيّات اردوغان الهادفة الى ضرب حزب العمال الكردستاني التركي PKK بذريعة محاربة الارهاب, فإن إقدام فرنسا وبريطانيا على المشاركة في التحالف، ستكون بغير جدوى, ليس فقط لأن «سنة» من الضربات الجوية لداعش لم تُسفر عن نتيجة تذكر، وانما ايضاً لأن تجاهل السيادة الوطنية لدولة عضو في الامم المتحدة، عبر استباحة الاجواء السورية، دون علم أو تنسيق مع الدولة السورية (على ما فعلت أميركا عبر وسطاء أو طرف ثالث وفق ما تناقلته أوساط اقليمية ودولية ذات صِدقية، والا كيف نُفسّر عدم حدوث أي صدام أو إشكال بين سلاحي الجو الاميركي والسوري؟) انما يراد منه رفع الحرج أو التغطية على السياسات الفرنسية والبريطانية الفاشلة ازاء الأزمة السورية, والتي راهنت طوال اربع سنوات ونصف على امكانية بث الروح في «جثة» المعارضة السورية بلا جدوى، وقد حانت ساعة الحقيقة التي تقول: بأن مكافحة الارهاب يجب أن يكون «شرعياً» ووفق قرار صريح وواضح من مجلس الامن, يُحدِد المهمة بوضوح وفق القانون الدولي وانسجاماً مع ميثاق الامم المتحدة, أما ما عدا ذلك فهو عبث أو في أفضل الظروف مجرد استعراض للقوة لا يفيد كثيراً في تغيير المعطيات الميدانية.