جاءت نتائج الانتخابات البلدية, التي جرت في المغرب قبل يومين, مخيبة لآمال تيارات وتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة كلها فحزب العدالة والتنمية (الحاكم) تراجع في هذه الانتخابات إلى المرتبة الثالثة حيث جاء في المقام الأول حزب الأصالة والمعاصرة (الموالي) وجاء بعده في المقام الثاني حزب الاستقلال التاريخي الشهير الذي كان أسسه الوطني المغربي الكبير علال الفاسي وكان له الدور الطليعي والأساسي في انعتاق هذا البلد الذي من المفترض أنه عزيز على قلب كل عربي من هيمنة الاستعمار الفرنسي الذي جثم على صدره لسنوات طويلة.
وبالطبع وللأمانة والإنصاف فإن حزب العدالة والتنمية هذا, الذي يبدو أنه دخل مرحلة التراجع والضمور مبكراً, يرفض رفضاً قاطعاً مانعاً أن يُحسب على الأخوان المسلمين كتنظيم مع أنه لا ينكر أنه جزءٌ مما يسمى الحركة الإسلامية في هذه المنطقة وفي العالم كما أنه يصر على أنَّ رجب طيب أردوغان قد أخذ اسمه أي: «العدالة والتنمية» ليكون اسماً لحزبه الذي سيطر على الحكم من خلال الانتخابات التي لا شك إطلاقاً في ديموقراطيتها لسنوات طويلة والذي من الممكن أن يستعيد عافيته الشعبية بعد وعكة الانتخابات الأخيرة التي ألمَّت به وجعلته عاجزاً عن تشكيل حكومة جديدة بمفرده.
كنا قلنا وقال غيرنا أنَّ أحزاب القرن العشرين «الإيديولوجية», العقائدية, قد انتهت مع اقتراب حلول القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة كحزب البعث وكحركة القوميين العرب والحزب الشيوعي الذي انهار في موسكو في بدايات عقد تسعينات القرن الماضي قبل انهيار فروعه في الوطن العربي وفي العالم بأسره, ربما باستثناء الصين, وأن جماعة الإخوان المسلمين بعد سقوط نظامها في مصر وتراجع تنظيماتها في كل الدول العربية التي لها فروعاً فيها قد أفل نجمها وأصبحت عملياً بحكم المنتهية.
والدليل هو أن «حزب النهضة» بقيادة بل بزعامة راشد الغنوشي, الذي حاول الوصول إلى موقع المرشد الأعلى للإخوان المسلمين في العالم بأسره بعدما حصل لهذه «الجماعة» ما حصل لها في مصر, غدا يفكر بالتحول إلى حزب وطني برامجي تونسي كالأحزاب التونسية الأخرى وهذا يعني أن شعب تونس مثله مثل كل الأشقاء العرب لم يعد يهتم بأي حزب «إيديولوجي» عقائدي كما أنه يعني أن هذه الظاهرة التي بدأت في نهايات العقد الثاني من القرن العشرين لم تعد مقبولة من قبل أجيال الشباب الصاعدة الأكثر واقعية من أجيال القرن الماضي التي ينشغل بعض رموزه الآن بالبكاء على قبر «الجماعة» الراحلة.
إن هذه حقيقة من المفترض أنه لا خلاف عليها ولا جدال حولها على الإطلاق لكن اللافت أن «إخوان» الأردن يتقصدون إشاحة وجوههم عن حقائق الأمور وأنهم بدل الانتقال من واقع ألْفية رحلت ولا يمكن أن تعود إلى واقع الألفية الثالثة بمعطياتها المستجدة وأولها أن هذه الأجيال الشابة تريد أحزاباً برامجية هاهم ينهمكون في اقتتال عبثي على عباءة بالية اسمها الإخوان المسلمون.
والأخطر أن «إخوان مصر» بعد فرار السلطة, التي اتضح وثبت أنهم لم يكونوا مأهلون لها, من أيديهم ذهبوا إلى ركوب موجة العنف والإرهاب بدل أن يتحلوا بجرأة النقد والنقد الذاتي ويبادروا إلى مراجعة مسيرتهم الطويلة المليئة بالأخطاء والخطايا وذهبوا للارتماء في أحضان بعض الدول «الإقليمية» التي تسعى لاستخدامهم لأغراض آنية ومرحلية ثم لن تلبث إلى التخلي عنهم قبل أن يصيح الديك !!