اعتاد الفلسطينيون ان يطلقوا اسماء شهداء على مؤتمراتهم و مجالسهم، سواء منها الوطنية او الفصائلية، و نظرا لمرور فترة طويلة بين دورة المجلس الوطني التي عقدت اخر مرة و بين الدورة التي تقرر ان تعقد في رام الله بين الرابع عشر و الخامس عشر من هذا الشهر ، ونظرا لسقوط عدد كبير من الشهداء و رحيل قادة عظام على رأسهم الشهيد الخالد ياسر عرفات و احمد ياسين و ابو علي مصطفى و العشرات من القيادات و الشخصيات الوطنية حيث القائمة طويلة و طويلة جدا.
من المفترض بعد هذا الغياب الطويل الذي يمتد الى ما يقارب العشرين عاما، ان تكون هذه الدورة هي دورة تعزيز الوحدة الوطنية، دورة لم الشمل الفلسطيني، دورة اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، ولان هناك تحفظات كثيرة علىها فأن الاسم الانسب لها و الاكثر واقعية و منطقية هي ( دورة اقصاء عبد ربه) على اعتبار ان هذا هو السبب الرئيسي الذي يقف خلف انعقاد هذه الدورة.
و الا كيف يمكن تفسير ما مررنا به كشعب وقضية من احداث و تطورات و انهيارات لم يتم استدعاء المجلس الوطني و فقط عندما قرر الرئيس التخلص من ياسر عبد ربه تمت الدعوة لعقد جلسة مع كل ما احيط بهذه الدعوة من مسرحية الاستقالات لكي تكون استثنائية و تلبي الهدف المنوط بها .
و للتذكير فقط ، خلال هذه الفترة التي لم ترى القيادة ضرورة او وقت لعقد دورة عادية للمجلس الوطني انهارت عملية السلام، و تضاعف الاستيطان عشرات المرات، و تهويد القدس يسير بشكل ممنهج و لم نعد بعيدين كثيرا عن تقسيم الاقصى كما تم تقسيم الحرم الابراهيمي، وخاض الشعب الفلسطيني حرب طاحنه خلال الانتفاضة الثانية انتهت بجدار فصل عنصري و تحويل مدن و قرى الضفة الى كانتونات، ورحل ياسر عرفات ، و خسرت فتح الانتخابات في ٢٠٠٦ وانقسم الشعب الفلسطيني بفعل سيطرة حماس على قطاع غزة و خسرت ايضا فتح الانتخابات البلدية و لم تتجرء على استكمالها في الضفة، و واجهت غزة بلجمها و دمها ثلاثة حروب تركت خلفها الاف الشهداء و الجرحى و كثيرا من الدمار. و لم يستدعي ذلك دعوة المجلس الوطني للانعقاد.
كل هذه التطورات اضافة الى الحاجة الملحة لاعادة تفعيل مؤسسات المنظمة التي شاخت و ترهلت مع تقدم قياداتها في السن، كل ذلك لم يستدعي عقد جلسة عادية توافقية للمجلس الوطني وفقا لما تم توقيعه من اتفاقات بين الفصائل بحيث يحافظ على المنظمة كأطار جامع للكل الفلسطيني بما في ذلك حماس و الجهاد الاسلامي و اجراء الانتخابات اينما امكن و التوافق اينما امكن لكي تبقى المنظمة الخيمة الجامعه للكل الوطني.
و لان كل هذا لم يحدث فأن هناك خمس ملاحظات على( دورة اقصاء عبد ربه) يجب اخذها بعين الاعتبار حيث ستؤثر على نتائج المؤتمر مثار الخلاف.
اولا: على اعتبار ان الدعوة وجهت للاعضاء للمشاركة في دورة عادية مع جدول اعمال، ولكن هذا منوط بتوفر النصاب المطلوب للجلسة العادية وهو ( ثلثي الاعضاء )هل ستنجح جهود الرئيس عباس في تذليل كل العقبات من اجل توفير ذلك النصاب المنشود؟حيث هذا الامر سيتوقف عليه ما سيليه من تطورات و مخرجات. هناك اعضاء لن يشاركوا لمعارضتهم على التوقيت و الالية و شبهات الاستحواذ على القرار و الابتعاد عن التقليد الوطني الفلسطيني بالتحضير الجيد وفقا للتفاهمات الوطنية بين القوى و الفصائل، وهناك من لن يستطيع المشاركة كون الدورة تعقد في رام الله اما لانه يرفض الدخول لمناطق السلطة بأذن اسرائيلي مثل فاروق القدومي و اما لان الاحتلال يرفض ان يمنحه الموافقه مثل نايف حواتمه.
ثانيا: هل ستشارك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و كذلك الجبهة الديموقراطية على اعتبار انهما الفصيلين الكبيرين من بين فصائل منظمة التحرير، مشاركتهما ، احداهما او كليها يضفي شرعية معينة على هذا الاجتماع، و عدم المشاركة تصعب على الرئيس عباس تسويق المخرجات التي يريد. على ما يبدو هناك فارق بين موقف الشعبية و موقف الديموقراطية ، وقد يكون هناك جدل داخلي و مشروع طبعا من حيث المشاركة او عدمها تتعلق بحسابات كل تنظيم الخاصة به.
الديموقراطية على ما يبدوا حسمت موقفها بالمشاركة المشروطة، بعنى ان تعقد الدورة وفقا للقانون ، اي دورة عادية، اذا تعذر النصاب تتحول الى جلسة استثنائية ينحصر مهمتها في املاء الشواغر للجنة التنفيذية فقط و ليس انتخاب لجنة تنفيذية
جديدة، وفي حال لم يلتزم الرئيس عباس بالقانون فانهم قد ينسحبون من الجلسة.
اما بالنسبة للجبهة الشعبية، حيث يبدو موقفها اكثر تعقيدا، فهي ضد من حيث المبدأ للشكل و الطريقة و الهدف من عقد هذه الجلسة التي لم تكن بتوافق وطني كما هو التقليد في الساحة الفلسطينية، وهم يدركون ان الهدف ليس استنهاض للمنظمة و القضية بقدر ما هو احكام السيطرة اكثر على مؤسسات المنظمة. مع ذلك الجبهة الشعبية حتى الان لم تعلن بشكل رسمي عن موقفها النهائي من حيث المشاركة او المقاطعة. الاحساس العام هو انهم يتوجهون لخيار المقاطعة و لكن على ما يبدو يجرون حساباتهم السياسية و التنظيمية بدقة متناهية لان عدم المشاركة سيتبعه على الارجح تجفيف للعروق و قطع للماء و الكهرباء. او ربما السبب في تأخير اعلان الموقف هو انتظار رأي الامين العام المعتقل في سجون الاحتلال الرفيق احمد سعدات.
ثالثا: هل ستسمح حماس بخروج اعضاء المجلس الوطني المتواجدين في غزة بالذهاب الى رام الله للمشاركة في هذه الدورة؟ حتى الان موقف حماس غير واضح و مفتوح على كل الاحتمالات، يعتقد ان زيارة صائب عريقات الى قطر يوم امس للالتقاء بخالد مشعل كما اعلن عن هدف الزيارة هو للحصول على موافقة مشعل لخروج اعضاء الوطني من غزة وربما الطلب منه بالعمل على مشاركة اعضاء تشريعي حماس في الضفة . لم يسمع شيء عن هذه الزيارة التي قد يكون لها اهداف اخرى ايضا.
رابعا: على ضوء ذلك، اذا ما كان هناك نصاب ، لن تكون مشكلة و يكون الرئيس عباس قد حقق ما اراد في انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، بدون ياسر عبدربه و بدون بعض الاشخاص الذي يرغب في تغييرهم، و حينها يكون قد عزز مكانته و جدد شرعيتة في المنظمة و عزز مكانة من يريد . هذا اذا ما رشح نفسه مرة اخرى ، اما اذا نفذ ما ابلغ بع اعضاء التنفيذية و المركزية بعدم ترشح نفسه يكون ايضا قد اطمئن على ما يريد من نتائج يعتبرها مريحه له في المستقبل ، وطبعا في هذه الحالة سيحتفظ في منصبيه كرئيس لدولة فلسطين و ر ئيسا للسلطة، اضافه الى كونه رئيسا لحركة فتح، على الاقل في المرحلة المقبلة.
خامسا: اما اذا لم يتحقق النصاب فسيكون امام الرئيس خيارين، الاول محاولة لي عنق القانون و ذلك بجعل الجلسة استثنائية تنتخب اعضاء اللجنة التنفيذية، وفي هذه الحالة سيكون مسمار جديد في نعش الشرعية الفلسطينية ، و اما ان تفشل مهمة الرئيس اذا ما تمسك الاعضاء بالنظام و القانون ، خاصة المناضل الكبير ابو الاديب رئيس المجلس وحارس الشرعية ، وذلك من خلال الاصرار فقط على انتخاب اعضاء بدل الذين قدموا استقالتهم، و بما ان ياسر عبد ربه لم يقدم استقالته فأن كل مهمة الرئيس في اقصاء عبد ربه تكون قد فشلت.
اذا وصل الامر لهذا الحد فأن الاعضاء الذين قدموا استقالتهم ووفقا للقانون لا يحق لهم ترشيح انفسهم مرة اخرى فلن يكون امامهم خيار سوى سحب استقالتهم الذي هو بالاساس عباره عن مسرحيه هدفها فقط عقد الجلسة الاستثنائية.
هذا يعني العودة بالمنظمة الى المربع الاول لكن ليس قبل ان يتم تعميق الجرح الفلسطيني الداخلي بعد محاولة الالتفاف هذه
على اخر ما تبقى للفلسطينيين من كيان معنوي و هو منظمة التحرير.