« لا نريد عراقا اوليبيا اخرى في سوريا « . هذه العبارة التي قالها قبل يوم امس الوسيط الدولي مبعوث الامم المتحدة لحل الازمة في سوريا ستيفان دي مستورا لفضائية ( سي. أن .أن ) ، وربطت بين ما حدث في ليبيا والعراق وبين ما يحدث في سوريا ، أعادت الى ذاكرتي ما قاله المجاهد العربي «امير البيان» شكيب ارسلان عندما ذهب مع مجموعة من المجاهدين العرب للقتال في ليبيا ، حين كانت الامة بالف خير ، حيث قال : «جئت للجهاد في صحراء ليبيا من أجل الدفاع عن حدائق الشام» . وشارك في تلك الحملة المجاهد الاردني الشهيد نجيب السعد البطاينة ولقبه ( نجيب الحوراني ) الذي قاتل الى جانب عمر المختار ببسالة ، وجرح ثلاث مرات في معارك فاصلة حتى استشهد ، له الرحمة والمجد.
الربط بين ما حدث في العراق وليبيا حقيقي وواقعي. العراق وليبيا تعرضتا لغزو خارجي ، وتم حل الجيشين وتدمير البلدين واسقاط النظامين وتفكيك الدولتين وتركهما نهبة للفوضى والفساد والاقتتال الاهلي . وهذا السيناريو قيد التنفيذ في سوريا اليوم ، ولكنه اصطدم بتماسك الجيش ومؤسسات الدولة والحزب . وفي تطور جديد ، جرت الرياح عكس ما اشتهت سفن الدول المشاركة في لعبة الدم والنار في سوريا ، وانقلب السحر على الساحر ،حين دخلت قضية اللاجئين على الخط ، وتكاد اليوم ان تغير قواعد اللعبة .
قبل هبوب العاصفة الجديدة التي حملت طوفان اللاجئين الى اوروبا ، توسعت دائرة النار والصراع في سوريا ، حتى اصبحت صراعا اقليميا ودوليا ، وقوده المال والدم العربي ، دون استثناء ، الى أن امتدت ارتدادات الزلزال الى اوروبا ، التي شارك بعض دولها في اشعال الحرب في سوريا ، او دعم الحرب بالمال والسلاح ، أو عبر توريد المقاتلين ، أو تسهيل سفرهم وانتقالهم الى سوريا من الحدود التركية .
اليوم تغيرت قواعد اللعبة ، والكل يصيح ويصرخ في مواجهة طوفان اللاجئين الذي اغرق اوروبا . هذه الازمة كشفت عن انسانية كاذبة وديمقراطية زائفة ، كما كشفت عن مشاعر وعقائد فاشستية ونازية وعنصرية كانت مدفونة في ثنايا واعماق احزاب وحكومات يمينية في بعض دول اوروبا . فقد قرأت في جريدة السفير اللبنانية ما كتبه وقاله السياسي الاسباني البرلماني الاوروبي ميغيل كريسبو الذي قال ، بعد جولة ميدانية زار خلالها مواقع تجمع اللاجئين ، على طول درب الهجرة :«الحكومات الاوروبية لا تتعامل مع مشكلة اللاجئين على انها ازمة انسانية بل تتقاذفها مثل البطاطا المسلوقة ، كلهم يريدون رميها للاخرين باسرع وقت ممكن» . ووصف كريسبو مخيمات التجمع بانها لا تصلح زرائب للحيوانات .
امام هذا المشهد في الازمة ، بدأت الدول الاوروبية تبحث عن حلول غير المحاصصة في توزيع اللاجئين وهي المسألة التي انقسمت الدول الاوروبية بشأنها . وقد تجد الدول الاوروبية المعنية نفسها امام طريق مسدود لا خيار فيه سوى البحث عن حل سياسي حقيقي واقعي للازمة السورية . هذه الدول التي تجاهلت وجع ومصائب الشعب السوري سنوات طويلة ، والتي لخصت الازمة الكبرى برحيل او بقاء الرئيس بشار الاسد ، لا بد لها من تجاوز هذه العقدة وترك القرار والخيار للشعب السوري ، والبحث السريع عن وسيلة لوقف الاقتتال الاهلي في سوريا ، ووقف شلال الدم ، ومواجهة الارهاب الذي شمل الجميع ولم ولن يرحم احدا .