إحدى صحف الممانعة والمقاومة, أي التحالف الإيراني المعروف, نشرت خبراً قبل أيام تحت عنوان صاخب هو: «الأردن وإسرائيل يشاركان في مناورة جوية» ولمزيد من الإثارة فإنها أرفقت هذا الخبر بصورة كبيرة لمستوطنة إسرائيلية تظهر فيها فلاحة فلسطينية تستند على يدها بخدِّها والحزن القاتل يظهر في عينيها وفي ملامح وجهها .
إنه ليٌّ مقصود لأعناق الحقائق فالعنوان ومعه الصورة الحزينة يُشعِران أي قارئ للوهلة الأولى وكأن هذه المناورة المشار إليها ثنائية بين الأردن وإسرائيل وكأنها جرت في أجواء الضفة الغربية وحقيقة أن هذا يذكرنا بتلك المرحلة المريضة من التاريخ العربي عندما كان هناك برنامج في إذاعة: «صوت العرب», يشرف على إعداده الإعلامي الشهير أحمد سعيد, المعروف لكل من وخط الشيب رؤوسهم اسمه: «حقائق وأكاذيب» وحقيقة أنه كله كان أكاذيب.. وأكاذيب في أكاذيب .
عندما عدت إلى أصل هذا الخبر, الذي تم ليُّ عنقه لتشويه صورة الأردن لحساب تحالف «المقاومة والممانعة» الذي لم يقاوم ولم يمانع في أيِّ يوم من الأيام إلَّا بالكلام وبالضحك على ذقون الجهلة والمغفلين والمخدوعين بصخب الشعارات الفارغة, وجدت أن الأمر ليس مناورة ثنائية بين سلاح الجو الأردني وبين سلاح: «العدو الصهيوني» وليس فوق الضفة الغربية ووجدت أن صورة المستوطنة الإسرائيلية ومعها صورة السيدة الفلسطينية التي يمزقها الحزن مقحمة إقحاماً على هذا الخبر وبهدف المزيد من التأثير على الذين يكتفون من الأخبار بقراءة عناوينها فقط .
إنَّ المناورات التي تحدثت عنها هذه الصحيفة ونفخت في خبرها من روحها حتى ظهرت وكأنها مؤامرة صهيونية – سكناجية هي تدريبات سنوية بقيت تجري في الولايات المتحدة منذ أربعين عاماً وشاركت فيها هذا العام سبعون دولة من بينها العديد من الدول العربية وبالطبع إسرائيل والعديد من الدول الأوروبية والإفريقية وأنَّ هذه المناورات بقي يتم مثلها حتى قبل اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو واتفاقية وادي عربة مع مصر ومنظمة التحرير والمملكة الأردنية الهاشمية .
كان شعار وزير إعلام أدولف هتلر والعهد النازي جوزيف غوبلز يقول: اكذب واكذب ثم اكذب فإن الناس سيصدقونك في النهاية والحقيقة أنَّ حبل الكذب أصبح قصيراً, بعد كل هذا التطور في تقنيات الإعلام وأن برنامج: «أكاذيب وحقائق» الآنف الذكر لو أنه ظهر في هذه المرحلة لوضع صاحبه يده فوق عينيه خجلاً ولغاب «غيبة كبرى».. ومع كل الاحترام لأشقائنا الشيعة ومع كل التقدير لمعتقداتهم .
الآن أصبح حبل الكذب قصيراً ولذلك فإن مُحللي وكتبة صحيفة لبنانية «ممانعة ومقاومة» عندما يقولون أن نظام بشار الأسد هو نقطة التوازن في المعادلة الدولية وأن كل دول العالم بحاجة إليه وتسعى لـ «التبرك» به فإنهم بالتأكيد يسمعون من بعض زملائهم من يقول لهم في اليوم التالي: «العبوا غيرها».. فمن يشكل نقطة التوازن ليس في المعادلة الدولية بل في معادلة بلده لا يسمح للإيرانيين بأنْ يفاوضوا باسمه ولا يسمح للخبراء الروس بأنْ يديروا عملياته العسكرية ومن أبشعها قصف الشعب السوري يومياً وفي معظم أماكن سوريا بالبراميل المتفجرة.. وهكذا وفي النهاية فإنه لابد من القول أن الكذب ليس ملْح الرجال.. إنه يعيب الرجال ويعيب النساء أيضاً .