لولا بعض الحياء، لطالب قادة حزبيون بـ “تعيين” الأمناء العامين للأحزاب السياسية في مجلس النواب، وإعفائهم من مشقة خوض الحملات الانتخابية والإنفاق عليها، وحشد المؤيدين لأحزابهم السياسية ... فمن يتتبع مداخلات بعض هؤلاء، ولا نقول جميعهم، يرى أنها لا تعني شيئاً آخر، غير ما ذهبنا إليه. بعضهم يجادل بضرورة اعتماد “كوتا” للأحزاب، أمر مخجل بامتياز، لا “أسباب موجبة” له، ولا يمكن مقارنته بحال من الأحوال، بفلسفة “الكوتا” أو التمييز الإيجابي الهادف ضمان تمثيل شرائح وفئات محددة... والفارق بين الأمرين، إنما يكمن في الأساس بطبيعة الحزب السياسي ودوره ووظائفه، فهو في الأصل، أداةٌ منشئة للإرادة الشعبيةومؤطرةلها، ومن يعجز عن تأطير هذه الإرادة، دع عنك خلقها وإنشائها، فلا حاجة لنا به، ومن الأفضل أن ينزوي في ثياب النسيان. بعضهم الثاني، يطالب بالقائمة المغلقة، لا لشيء إلا لضمان فوزه شخصياً على رأس لائحته الانتخابية، فبهذه الوسيلة وبها فقط، يمكن لـ “الزعيم” أن يضمن فوزاً مؤزّراً في حال أمكن لقائمته أن تجتاز الامتحان ... صحيح أن القائمة المغلقة معمول بها ولها من يؤيدها ويعارضها في العالم، لكن الإصرار الشديد من قبل بعض أحزابنا عليها، لكأنها مبتدأ قانون الانتخاب وخبره، يدلل على شيء آخر، إنما يتصل بإحساس عميق بانعدام الثقة بالنفس من جهة، لا يفوقه سوى الرغبة الجارفة في امتطاء القوائم للوصول عنوّة إلى قبة البرلمان من جهة ثانية. بعضهم الثالث، جادل في التمويل، وطالب بضرورة أن تخصص الدول من مالها العام، مبالغ للأحزاب السياسية لتغطية حملاتها الانتخابية، أما بقية القوائم التي لا حزب فيها أو لها، فلا حاجة بها لهذا الدعم، وهذا ضربٌ واستهتار بمبدأ أساسي يتعلق بتكافؤ الفرص في السباق الانتخابي، فلماذا نوافق على دعم قائمة لمجرد اشتمالها على حزب “هزيل”، ونحجب هذا الدعم عن أخرى، ربما تكون أكثر جدية في مبناها ورؤاها ودوافعها، ومن سيضمن بأن هذا الفكرة لن تتحول إلى مدخل لجني المال الوفير من راغبين في خوض غمار الانتخابات، لا حزب سياسياً لهم؟! من “كوتا” الأحزاب، إلى القوائم المغلقة وانتهاء بتمويل الحملات، ننتهي إلى أن أصحاب وجهات النظر هذه، لم تعد تفصلهم عن المطالبة بـ”التعيين” بدل الانتخاب، سوى خطوة واحدة فقط، كأن يقال مثلاً، بأنه لا يجوز للحزب الواحد أن يتمثل بأكثر من مقعد واحد من المقاعد المخصصة لـ “كوتا الأحزاب”، مثلما هو معمول به عند احتساب “الكوتا النسائية” على مستوى المحافظات، وربما ليس صدفة أبداً أن تأتي المطالبة بزيادة مقاعد المجلس النيابي إلى أكثر من 160 مقعداً، لتضمن ما يكفي من المقاعد لتوزيعها على العدد المتكاثر من الأحزاب. مثل هذه المقاربات الأنانية، تُفرغ الجدل حول قانون مفصلي بأهمية قانون الانتخاب من جوهره ومضمونه، وتحيل النقاش برمته، إلى محاولات يائسة لاقتطاع حصة صغيرة من كعكة البرلمان الثامن عشر ... مع أن في القانون، على أهميته وإيجابيته، ثغرات أكثر أهمية من منظور مشروع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في البلاد، الذي يبدو أن هؤلاء لا يكترثون له، من نوع الدفع باتجاه إدماج وتطوير تجربة “القوائم الوطنية” إلى جانب القوائم المفتوحة على مستوى المحافظات، ومن نوع طرق احتساب القوائم الفائزة، وعتبة الحسم وغيرها كثير. نحن الآن في المغرب، حيث انتهت للتو، الانتخابات المحلية والجهوية في البلاد، وبمنافسة محتدمة من قبل الأحزاب السياسية، في ظل قانون لا يسمح بـ “الاكتساح”، مصمم بالأسس لمنع الإسلاميين من الاستحواذ على المجالس المحلية والجهوية، وهو قانون مُصمم على طراز قانون الانتخابات البرلمانية على أية حال ... لكنك وأنت تتابع الجدل الحزبي المحتدم، والنقاشات الدائرة بعمق وكثافة، تكتشف حجم الهوة السحيقة بين نخبنا الحزبية وتلك التي يتوفر عليها الأشقاء في المغرب ... هنا تشعر أن هناك أحزابا وتيارات، نشأت وتكونت في معمعان النضال، منذ زمن التحرر الوطني إلى عهد التحول الديمقراطي، ومثلما يوجد لدينا أحزاب أولى بالرعاية من قبل السلطات فهناك أحزاب إدارية أولى بالرعاية من قبل الدولة، لكن حيوية الأحزاب الأخرى وكفاحيتها ويقظتها الفكرية والسياسية، جعلها “تكتسح” الانتخابات الأخيرة، دون انتظار “منّة” من أحد، ودونما حاجة لكل هذه “الاستثناءات” التي يطالب بها بعض أحزابنا لتبوء مقعد واحد لا أكثر في برلمان موزع على 130 مقعدا. ليس مطلوباً من الأردنيين أن يحملوا مرشحي الأحزاب على “أكف الراحة” إلى قبة البرلمان، المطلوب من الأحزاب ذاتها، أن تحمل الأردنيين على قبولها وتأييد برامجها وقياداتها، وان تخلق لديهم الحوافز الكافية للخروج من بيوتهم في يوم الاقتراع العظيم، ووضع أوراقهم في صناديق هذه الأحزاب، دعماً لمرشحيها ... وبخلاف ذلك، لن تكون هناك ديمقراطية – برلمانية في البلاد، قائمة على التعددية الحزبية.