ينفطر القلب حين ينظر إلى أهل هذا العصر من العرب، فيجدهم وقد استمرأوا رؤية الأشلاء والجثث المتناثرة، بل غدوا «يتغزلون» بالكوارث والمحن، باعتبارها من «النعم» التي أنزلها الله جلت قدرته على هذه الأمة! كارثة #سقوط_رافعة_الحرم المكي التي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، هي مصيبة بكل المقاييس، (الوفيّات 107 والمصابون 238) نعم هي قضاء وقدر، نرضى به تأسيسا على إيماننا بالقضاء والقدر خيره وشره، لكنها مذبحة ناتجة عن خطأ بشري، لم تراع فيه أرواح عبيد الله، ولهذا، قرر مستشار الملك السعودي/ أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة أسباب حادثة سقوط رافعة في الحرم المكي ورفع نتائجها عاجلاً إليه، كي لا تتكرر المأساة، وهذا عين العقل، أما أن تبدأ خيالات المجنحين بامتداح المجزرة، وتصويرها وكأنها مكرمة إلهية، فهذا مما لا يستساغ ولا يدخل في باب العقلانية! لقد امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بأشعار وأقوال، تستحسن الموت في الحرم، وتعتبر الرافعة التي قتلت القوم، وكأنها أسدت إليهم خدمة جليلة، فمن قائل: عجبي لرافعةٍ رأت مِن حولِها تلويحةَ البشرى فخرّتْ ساجدةْ طُوبَى لمن حازوا الشهادةَ تحتها فمضوا معاً لله رُوحا صاعدَةْ!! ومن قائل: أن الرافعة سقطت لترفعهم!! هؤلاء، الذين رأوا في الكارثة وجها حسنا امتدحوه، ذكّروني بمُلحة من مُلح العرب ونوادرهم، مُضحكة مُبكية، فقد استأجر رجلٌ من البصرة بيتاً، وكان سقفُ البيتِ متهالكاً يصدر أصواتاً تفزع من تحته، فاشتكى لصاحب البيت، ولكن صاحب البيت طمأنه وقال له: إنَّ السقف يُسبّح! أوَ ما علمت أنّه ما من شيء الا يسبح بحمد ربه؟! فقال الرجل: أخافُ أن يدركه الخشوع فيسجد! بل إن المرء ليحزن حين يقارن بين تعامل الصحافة الأجنبية مع الحدث، وتعاملنا «الاحتفالي» الذي لا يقيم شأنا لحرمة الموتى، فينشر صورهم وهم أشلاء، في حين رأيت تغطية بعض الصحف الأجنبية، ومنها «الديلي ميل» وقد نشرت صور الكارثة، لكنها ظللت صور الضحايا والأشلاء، وهذا سلوك مهني رفيع، يحفظ حرمة الموتى، وينأى بالأحياء عن مشاهدة هذه الصور المفزعة! وعلى الطرف الآخر، رأينا من يتشفى بالكارثة، ويستثمرها للانتقاص من دور البلاد المقدسة في خدمة الحجيج، تحقيقا لأهداف سياسية، وهذا سلوك رديء وغير إنساني، ولا يرى الجهود العظيمة التي تُبذل لخدمة ضيوف الرحمن، والتطور الهائل الذي نشأ على المشاعر المقدسة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يلمسه كل من زارها حاجا أو معتمرا. بقيت مسألة.. لا نقول ما قلنا جلدا للذات، لأن ثمة من أمة الغرب من هم أشد بؤسا منا بمراحل، فقد نشر بعضهم تغريدات تشمت ب #سقوط_رافعة_الحرم ويرون أنها انتقام إلهي بيوم 11 أيلول /سبتمبر، ويبدو أن صحيفة «الديلي ميل» البريطانية خجلت من نفسها، فحذفت الجمعة، تقريرا بهذا الشأن بثته على موقعها الإلكتروني بشأن حادث سقوط الرافعة وتناول آراء عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إذ قال البعض منهم إنه «انتقام إلهي في يوم 11 أيلول /سبتمبر»، والذي وقع في ذلك اليوم من عام 2001 واستهدف برجي التجارة العالميين في مدينة نيويورك خاصة وأن الرافعة تشغلها مجموعة «بن لادن» السعودية!