يسعى جلالة الملك عبدالله الثاني من خلال إدامة التواصل مع عواصم صنع القرار في العالم، إلى بناء علاقات متوازنة وحماية المصالح الأردنية العليا، التي تشكل هدفاً أساسياً لجلالته وأولوية في تحركاته، خصوصاً في ظل ما يشهده الإقليم من تطورات مفتوحة على كل الاحتمالات.
الملك الذي عاد إلى أرض الوطن أمس بعد زيارة عمل تاريخية، شملت الصين وكوريا الجنوبية، إذ وقع جلالته والرئيس الصيني على البيان المشترك لإقامة علاقات استراتيجية بين البلدين، واتفاقيات تجاوزت سبعة مليارات دولار في مجالات متعددة من شأنها تعزيز التعاون الثنائي وتنعكس ايجاباً على اقتصادنا الوطني، وهي زيارة جلالته السابعة إلى الصين التي تشكل القوة الاقتصادية الثانية في العالم، وفي زيارته إلى كوريا الجنوبية، شهدت أيضاً توقيع اتفاقيات ثنائية.. زيارة العمل هذه وصفت بالناجحة وحققت نتائج ايجابية ومثمرة غير مسبوقة فاقت التوقعات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، والتي تحتاج إلى متابعة لترجمة نتائجها على أرض الواقع ومن قبل كانت الزيارة الملكية إلى موسكو ولقاء جلالته بالرئيس الروسي بوتين، والتي تشكل أحد أكبر اللاعبين الدوليين، ونقطة ارتكاز أساسية في كثير من الملفات الإقليمية، وهي المحطة التي زارها الملك منذ أن تسلم أمانة المسؤولية الأولى في البلاد «13» مرة، وأستمر التنسيق معها ازاء قضايا المنطقة، والتي كان جلالته يؤكد باستمرار أن لموسكو دوراً رئيساً في الحل في سوريا وهو الرأي الذي بدأ العالم يتحدث فيه بجدية أكثر في ظل ما يحدث على الأرض وباتت موسكو محطة لزيارات كثير من زعماء العالم بما فيهم قيادات عربية.
موسكو وبيجين وسيؤول، ثم نيويورك في الثلث الأخير من الشهر الجاري، إذ يشهد الملك في زيارته المرتقبة إلى نيويورك افتتاح الدورة العادية للأمم المتحدة، ويلقي كلمة متزامنة مع احتفالات المنظمة الدولية بذكرى مرور «70» عاماً على تأسيسها، حول قضايا المنطقة وأزماتها والرؤية الأردنية تجاهها وانعكاسها على المملكة خصوصاً مع الأوضاع المأساوية والإنسانية التي خلفتها أزمة اللجوء السوري.
هذا الحراك الملكي الذي أيضاً يشمل التنسيق والتشاور عربياً يضع أولاً وأخيراً حماية مصالح الأردن وشعبه العزيز عنواناً رئيساً وهدفاً أساسياً بحكمة وشجاعة وذكاء تميزت فيها قيادة جلالته وهو ما جعلها محط احترام وتقدير على الصعيدين الدولي والإقليمي، وذات رأي سديد وتحليل عميق للملفات الإقليمية، والأدلة على ذلك كثيرة ليس أقلها التنبيه مبكراً لخطر التنظيمات الإرهابية والعصابات المتطرفة والرؤية لحل أزمات المنطقة، ومنها الأزمة السورية التي ركز جلالته منذ بدايتها على أن حلها سياسي وليس عسكرياً مع ضرورة الحفاظ على وحدة الشعب السوري ووحدة أراضيه، وجلوس مكوناته على طاولة الحوار.. هذه الأزمة التي يعتبر الأردن الأكثر تأثراً بها، وما قضية اللاجئين إلاّ الدليل على ذلك.
ولعل الجزء الأكبر من جهود جلالته في مختلف المحافل الدولية مكرس على القضية الفلسطينية إذ أن الهم الفلسطيني هم أردني، وقضية فلسطين هي قضية الشعب الأردني وحل القضية الفلسطينية مصلحة أردنية، واستقرارها مرتبط بحلها على أساس حل الدولتين، ويعتبر الموقف الأردني الأصدق في التعامل مع هذا الملف، والأكثر ارتباطاً به كيف لا وهو الذي لازم القضية وقدم الشهداء على التراب الفلسطيني.
قصارى القول أن الجهد الملكي المتميز سيعزز الاستثمار في المملكة التي تملك فرصاً واعدة رغم الظروف الإقليمية وتشكل بيئة جاذبة لموقعها الاستراتيجي الذي يعتبر قاعدة ومنصة اقتصادية للإنطلاق نحو دول المنطقة والعالم، ويترجم مقولة الأردن «بيت هادئ في حي مضطرب»، وزيارة الصين وكوريا الجنوبية، وما يتبعها له عنوان واحد خدمة مصالحنا الوطنية وحمايتها والدفاع عنها.