غير صحيح إطلاقاً وهو تشاؤم أكثر من اللزوم الحكم على الأمة العربية على أنها باتت بحكم المنتهية وأنه لن تقوم لها قائمة وأنَّ ما يحصل الآن في بعض «دولها» يدل على أنها: «ليست أمة واحدة ولا ذات رسالة خالدة» فالأمم مثلها مثل الأفراد تمر بمراحل «ذهبية» وتتعرض لكبوات موجعة لكنها ليست مميتة والدليل على هذا هو اليونان التي كانت إمبراطورية احتلت مكاناً مميزاً في تاريخ حوض البحر الأبيض المتوسط ومنه الجزء الأهم والأكبر من هذه المنطقة لكنها هي الآن على ما هي عليه من تراجع وضمور !!
لظروف وعوامل كثيرة, بعد نهضة عظيمة, ابتليت الأمة العربية في الجزء الأخير الأكبر من عهد الدولة العباسية التي تسلط عليها «الشعوبيون» حتى جعلوها مجرد خليفة بائس لا يتردد أحد القادة «المستوردين» من فقئ عينيه وجلْده حتى الموت وانتهت إلى أن يصبح أبناؤها رعايا للسلطنة العثمانية لأكثر من أربعة قرون كانت في نهاياتها مظلمة ومتخلفة فأصبحت هذه السلطنة رجلاً مريضاً ما لبث أن افترسه الغرب في النهاية بزعامة وقيادة بريطانيا العظمى فكانت «سايكس – بيكو» وكانت التجزئة المعروفة وبـ «المسطرة» وكانت إقامة الدولة الإسرائيلية التي غُرست كخنجر يقطر دماً وسمَّاً في قلب هذه الأمة وفي قلب هذه المنطقة .
وهكذا والمفترض أن هناك اتفاقاً على أن هذه الأمة بكل دولها وكل كياناتها لم تسترجع بعضاً من استقلالها وتحررها إلَّا في ستينات القرن الماضي وهذا يعني أنه علينا أن ننظر إلى واقع الحال هذا الذي نعيشه وتعيشه هذه الأمة على أساس نحو نصف قرن فقط وحيث أن انجازات خمسين عاماً من النهوض العام من تعليم وجامعات وتقدم حضاري وثقافي ووجود فاعل في كل المجالات الدولية يجب أنْ يقنعنا بأنه لا ضرورة إلى اليأس القاتل وأنَّ الأمم كلها من اليابان إلى الصين وحتى ألمانيا قد مرَّت بمثل هذه اللحظة المريضة التي هي وبالتأكيد لحظة عابرة لا محالة .
إنه موجع للقلب والوجدان والضمير أن نرى كل هذا الذي حلَّ بالعديد من الدول العربية لكن حتى نستطيع أنْ نتغلب على هذا الواقع يجب أنْ ندرك وقبل كل شيء أننا ندفع الآن نتائج نحو قرنٍ بأكمله وأن «مسطرة» سايكس وبيكو هي التي أوجدت كل هذه التقسيمات الإقليمية وأن الأنظمة التي فرضت نفسها على شعوبها بدءاً ببدايات خمسينات وستينات القرن الماضي من خلال الشعارات الصاخبة الجميلة هي التي انتهت بالبلدان التي حكمتها بالحديد والنار وبالطائفية البغيضة إلى ما نراه الآن من تذابح داخلي ومن دمار وخراب ومن تدخل خارجي, روسيٍّ وإيرانيٍّ, في الشؤون الداخلية لهذه البلدان التي هي وبالتأكيد شؤون عربية داخلية .
والمهم هنا هو ألَّا نستسلم لهذا الواقع وألَّا, بدل أن نصمم على النهوض وننتشل أجيالنا الصاعدة من الإحباط, نذهب بعيداً من جلد الذات وفي اليأس وفي «احتقار» هذه الأمة.. أمتنا العظيمة ويقيناً لو أن الألمان واليابانيين والصينيين فعلوا ما يفعله بعضنا الآن فلما قامت لهم قائمة ولما نهضوا من كبوتهم وتصدروا المسيرة الحضارية التاريخية .
إنها غمامة وستنقشع بالتأكيد والمهم هو إلَّا نفقد الأمل بهذه الأمة العظيمة وهو أن نأخذ بعين الاعتبار ودائماً وأبداً أنه لو استسلم الأوروبيون للحظة المريضة التي سادت في العصور الوسطى في ذروة سطوة الكنيسة الكاثوليكية فلما كانت هناك الثورة الفرنسية العظيمة ولما كانت تلك القفزة الحضارية الهائلة وهذا ينطبق على الصين واليابان.. وإذا أردتم على ماليزيا واندونيسيا وأيضاً.. أيضاً على الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل والهند .