الأردن فيه سرّ لا يعرفه سوى الله، ولكن شواهده هي كل هذه المواقف التي يتخذها من فتح حدوده للاجئين والهاربين من ويل بلادهم، والباحثين عن الأمن ولقمة العيش والطبابة والاستشفاء، إنها بركة الله التي وضعها في بلد يستضيف ضعف عدد مواطنيه.
ولكن المشكلة أن أزمتنا بدأت تتفاقم بعد أن تحولنا نحن وضيوفنا الى عالة بلا إنتاج ولا استثمارات حقيقية، فيما الاستثمار المفرط اليوم هو في تمويل المتقاتلين بالسلاح وبمليارات الدولارات، والعالم يشكر انجيلا ميركل ونسي الأردن الذي لازال بتوجيهات الملك لإبقاء الحدود مفتوحة مع سوريا، واستقبال الأشقاء بلا منّة، وشركاؤنا في جامعة الدول العربية مغمضين العين عنا.
جلالة الملك عاد أمس بعد زيارة لدولتين كبيرتين في شرق آسيا،الصين وكوريا الجنوبية، وهاتان الدولتان تعتبران ماردّين صاعدين الى قمة الاقتصاد العالمي فإنتاجهما الصناعي والتكنولوجي فاق كل التوقعات، وحطم أسطورة الصناعة الأمريكية ونافسها لدرجة كسر العظم، ومع ذلك فصناعاتهما تعطينا البديل الأميز والأرخص ثمنا، ومع هذا لم يفكر أحد في أن يضع هذه الدول البعيدة في خانة الشركاء الاقتصاديين، وفي كلمته بمقر شركة «سامسونج» العالمية بسيؤول، أعلن الملك عن رغبته بشراكة استثمارية حقيقية بين الأردن وكوريا والصين أيضا، وهذا الأمر ليس مستحيلا، بل يجب أن نفكر فعليا بمستقبلنا للخروج من دائرة رفيقنا السبع الذي يأكلنا مقابل شهامتنا،وصنع مستقبل استثماري في الصناعات العملاقة مع شركاء عباقرة.
الشركة التي التقى الملك مديريها ودعاهم لزيادة الاستثمار في الأردن، ليست شركة بالترجمة العربية فحسب، بل هي دولة تكنولوجية توظف أكثر من 250 الف موظف وعامل، إيراداتها لعام 2013 بلغت مليار دولار وصافي أرباح 18 ملياراً، ولها شراكات مع كبريات الجامعات الكورية والعالمية بمافيها الجامعة الأردنية، وفروعها في كل قارات العالم وبلدانه، وعلى سامسونج قس أخي الرئيس والوزير وموظفي الاستثمار كم هناك من شركات عملاقة يمكن أن تكون شريكا للأردن، إذا حطمنا قيود البيروقراطية والشد العكسي للاستثمار، وأسسنا ليكون الأردن منطقة صناعية مفتوحة للعالم، فهل عجزنا عن الابتسام في وجوه المستثمرين والعمل بأمانة لخدمة بلدنا، وماذا يفعل سفرائنا في دول العالم غير أكل «السوشي» ؟!
إن الصورة التي ظهر فيها جلالة الملك مبتسما لما رآه وهو يتفقد السيارة الصينية من إنتاج شركة «هانيرجي» المتخصصة في قطاع الطاقة البديلة والمتجددة، حيث تعمل السيارة الفارهة بواسطة الطاقة الشمسية بالمطلق، توحي بالتفسير التالي: لسان حال الملك يقول: لماذا لا تُصنع هذه السيارة في الأردن ؟
الملك والوفد المرافق اطلعوا على تطبيقات يتم من خلالها تغليف الأبنية والعمارات والأبراج بالألواح الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية، فشركة هانيرجي من أكبر شركات انتاج الطاقة البديلة في العالم،وحسب د.ابراهيم سيف وزير الطاقة فإن الأردن سيوقع مع الشركة اتفاقية لتنفيذ المرحلة الأولى من استثماراتها في الأردن التي تقدر بمليار دولار،و يتضمن إنتاج 1000 ميجاوط وهو ما يشكل ثلث حاجة الأردن من الطاقة المتجددة، إضافة الى إنشاء مصنع في الأردن، وتدريب وتأهيل الكوادر التي ستعمل فيه، فيما تسعى الشركة الى اختيار الأردن ليكون المركز الإقليمي للتصنيع ونشر التكنولوجيا التي تنتجها في المنطقة.
فهل هناك مانع من أن تكون «عشائر الصناعيين من الكوارنة والصواونة» مكون إنتاج في بلدنا مثل أي مكون بشري يستهلك ولا ينتج، فقط حطموا قيود الاستثمار وانقلبوا على موظفي المؤسسات الرسمية الذين لا يحبون العمل، وحاسبوا القلّة القليلة الذين يستثمرون في وظائفهم على حساب المصلحة العامة.