وليد أبي مرشد
لم يكن لبنان بحاجة إلى قرار الاتحاد الأوروبي إدراج حزب الله (مبدئيا جناحه العسكري) على لائحة المنظمات الإرهابية ليضيف على وضعه الداخلي إرباكا فوق إرباك.
بمنظور سياسي واقعي يندرج قرار الاتحاد الأوروبي في خانة «تحصيل الحاصل»، فلو كان الاتحاد الأوروبي جادا في مواجهة حزب الله لعمد إلى اتخاذ قرار علني بتسليح الجيش السوري الحر على أمل أن يتعامل معه بلغته، لغة السلاح، على الجبهات السورية.
لبنانيا، لا جدال في أن لحزب الله مبرراته وجمهوره. ولكن، بعيدا عن شعاراته الآيديولوجية الفضفاضة - الصعبة المنال في ظل الموازين الراهنة للقوى الإقليمية والدولية - تحول تنظيمه من حزب مهمته الجهادية الأولى، والناجحة، مقاومة إسرائيل إلى حزب مذهبي مهمته الخالصة، والفاشلة، منذ اجتياح بيروت الغربية في 7 مايو (أيار): «تركيع» الدولة اللبنانية وكل مؤسساتها الشرعية للقبول برغباته وبأساليب لا تخلو من مقاربات يصح وصفها بالإرهابية.
منذ 7 أيار 2008 فرض حزب الله على لبنان معادلة مذهبية – سياسية – عسكرية استقوت على مؤسسة الدولة بدعم مباشر من سوريا وإيران في مواجهة شريحة لبنانية واسعة «منزوعة» السلاح - بقرار سوري طبق في عهد الوصاية بداعي جمع سلاح الميليشيات - ومحرومة أيضا من الدعم الخارجي المباشر الذي يتلقاه الحزب. إذا كان ثمة خلل قائم حتى الآن في المعادلة السياسية الداخلية في لبنان فهذا الخلل لا يعود إلى تفرد حزب الله، دون غيره من التنظيمات الأخرى، بامتلاك السلاح الثقيل بل إلى غياب الدعم الخارجي المباشر والفعال «للدولة» ولعمودها الفقري، المؤسسة العسكرية.
على هذا الصعيد، حتى القرار الدولي 1559 الذي دعا، سنة 2004: «إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها» بقي حبرا على ورق لافتقاره إلى متابعة خارجية جدية لتطبيقه – سواء أكانت عربية أم دولية.
والآن، وبعد انقضاء تسع سنوات على صدور القرار، وبعد أن تحول حزب الله من عبْء لبناني داخلي إلى عبء إقليمي ومن ثم دولي... تتذكر دول الاتحاد الأوروبي مضمون القرار 1559 ومخاطر سلاح حزب الله. إلا أن المؤسف أن قرار الاتحاد الأوروبي، على المدى القريب على الأقل، يربك الدولة اللبنانية أكثر مما يؤذي حزب الله، فالدولة أضعف من أن «تعزله» وتقصيه عن المشاركة في السلطة خصوصا أن إقصاءه سوف يتخذ طابع «المقاطعة» لجمهور وافر من أبناء الطائفة الحاضنة له في لبنان. وعليه من المرجح أن تبقى الدولة «مضطرة» لإشراكه في أي حكومة مقبلة مراعاة لقاعدته المذهبية على الأقل - ما يعني أن الدولة اللبنانية ستصبح، رسميا: «شريكة» تنظيم مصنف إرهابيا في كل الدول الأوروبية ودول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة - أي نصف العالم الخارجي تقريبا وتحديدا العالم الأكثر ارتباطا، اغترابيا، باللبنانيين، وتجاريا واقتصاديا بلبنان.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: كيف ستبرر الدول الأوروبية تعاملها الرسمي مع حكومة لبنانية تضم بين أعضائها وزراء «إرهابيين»؟
قد تجد أوروبا والولايات المتحدة مخرجا عمليا – وإن شكليا - من هذا الإشكال في تأويلها لمفهوم «الجناح العسكري» للحزب واتخاذ موقف انتقائي، لا جماعي، من بعض ممثليه وقيادييه، كما توحي به اتصالات سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان، أنجيلينا إيخهورست مع القياديين اللبنانيين وكما يؤشر إليه إعلان الاتحاد الأوروبي بأنه يتابع مع المسؤولين البلغار والقبارصة «معرفة أسماء المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت في بلغاريا وقبرص كي يتم تحديد هويات حزب الله العسكري وتحديد أسماء من ستمنع عنهم التأشيرات إلى أوروبا ومن ثم إجراء تجميد الأرصدة».
إذا اعتبر هذا الإعلان سابقة لطريقة تعامل أوروبا مع قرار تصنيف حزب الله اللبناني كتنظيم إرهابي بمنظور عسكري، وغير إرهابي بمنظور سياسي، يكون الاتحاد الأوروبي قد عقد علاقاته مع لبنان وأربك ساحته الداخلية أكثر بكثير مما عاقب حزب الله.
على هذه الخلفية قد يجوز تذكير الدول الأوروبية بالمقولة الشهيرة: ليتك لم تزن... ولم تتصدقي.