ما تفعله إسرائيل في المسجد الأقصى في القدس الشريف هو استغلال لظروف دولية وعربية خطيرة وصعبة حيث ينشغل العالم, أوروبا على وجه الخصوص, بأمواج الهجرة المتلاحقة التي باتت تؤرق كل الدول الأوروبية وحيث ينشغل العرب بكل هذا الذي يجري في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا وحيث ينشغلون أيضاً ولو ذهنياً بتمدد إيران في هذه المنطقة وبتطلعاتها المدعومة بتدخل عسكري على الأرض لتحويلها إلى مجالٍ حيوي لإمبراطورية جديدة تعيد ما يُعتبر أمجاد فارس القديمة !!
والواضح بل المؤكد أنَّ إسرائيل وجدت أن الفرصة غدت لائحة وملائمة, في ضوء انشغال العالم والعرب بكل هذه التطورات الخطيرة فعلاً, لإيجاد أمرٍ واقع في الأقصى الشريف وفي المدينة المقدسة وكما كانت استغلت ظروفاً سابقة وأوجدت أمراً واقعاً في الحرم الإبراهيمي في الخليل حيث فرضت «تقاسماً» زمنياً بين المسلمين واليهود غدا وكأنه مسألة لا نقاش فيها حتى بالنسبة للجهة المعنية مباشرة أي منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية.
إنه لا يجوز ولا يجب إطلاقاً أن تمر هذه المؤامرة التي إن هي مرت فإنها ستخلق واقعاً قد يستغرق تغييره سنوات طويلة فالمطلوب هو غير البيانات الإنشائية التي اعتاد الإسرائيليون على سماعها مع الاستمرار في خلق وقائع جديدة على الأرض في مدينة الخليل, خليل الرحمن, وفي الضفة الغربية من أقصاها إلى أقصاها وهذا كان حدث مثله في الأرض المحتلة منذ عام 1948.
إنَّ المطلوب هو وقفة جدية وجادة عربياً وإسلاميّاً وهو إفهام إسرائيل إنه من غير الممكن صمود واستمرار الاتفاقيات التي أبرمت معها ما لم تضع حداً لكل هذا الذي تقوم به في الأقصى وفي القدس وفي الضفة الغربية فهذه أراضٍ محتلة من المفترض أنها محمية بالقوانين الدولية ومن المفترض أنه لا يحق للمحتل إجراء أي تغييرات فيها لا بحكم الأمر الواقع ولا بغيره.
لقد عود الإسرائيليون الأمم المتحدة والعرب والعالم بأسره بأنهم يمدون ألسنتهم استهزاءً في وجه البيانات العربية العرمرمرية وأنهم يواصلون خلق الوقائع التي يريدونها على الأرض ولذلك فإنه كان يجب إفهام إسرائيل سابقاً ولاحقاً وحتى الآن إن كل الاتفاقيات التي وُقِّعتْ معها لا يمكن لها الاستمرار والصمود إنْ هي لم تضع حدّاً لكل هذه السياسات العدوانية فعلاً وإن هي لم توقف محاولات خلق أمرٍ واقع في الأقصى الشريف كما كانت خلقت أمراً واقعاً في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل العربية المقدسة.
ثم ألمْ يكن على منظمة التحرير وعلى الجامعة العربية وكل العرب المعنيين استغلال كل هذه الظروف المستجدة لإقناع العالم والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بأن مكان هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الذين اقتُلعوا من مخيماتهم في سوريا ليس الأردن ولا لبنان ولا الدول الأوروبية القريبة والبعيدة وإنما فلسطين.. في الضفة الغربية التي هناك اعتراف دولي بها كدولة فلسطينية تحت الاحتلال سيُرفع علمها في نهاية هذا الشهر فوق مبنى المنظمة الدولية في نيويورك.
لا يجوز أنْ تكتفي الجامعة العربية ببيان الشجب والشتم الذي أصدرته مع بداية دورتها «الـ 144» ولا يجوز أن تبقى منظمة المؤتمر الإسلامي صامتة صمت أهل القبور وكذلك فإن المفترض أن تتحرك لجنة القدس فما يجري في الأقصى الشريف أمرٌ في غاية الخطورة ولعل الأخطر هو أنْ يتعايش العالم ونتعايش نحن مع رؤية الجنود الإسرائيليين وهم يدنسون بـ»بساطيرهم» ثالث الحرمين الشريفين ورؤية إسرائيل وهي تقوم بخلق أمرٍ واقع في أماكننا المقدسة.