قبل الحرب العالمية الثانية بشر هتلر أن الشعب الألماني سيقود العالم نحو التقدم بعد تصفية الخذلان والتخلف، وفي عام 1956 أعلن نيكيتا خروتشوف أن التاريخ يسير لصالح الأشتراكية وأن الأتحاد السوفيتي سيدفن الغرب والرأسمالية، وفي عام 2003 أعلن جورج بوش بعد إحتلال بغداد أن المهمة قد إكتملت وثمة عصر جديد سيهب على العراقيين، وهكذا أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي ومعمر القذافي وغيرهم من الطغاة الذين رأوا أنفسهم أنهم وحدهم صناع التاريخ وأن الأخرين لا قيمة ولا تأثير ولا حساب يُحسب لهم ، وها هو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي، وقادته وأحزابه وحكومة المستوطنين التي تقوده ، يمثل نموذجاً صارخاً فاقعاً دالاً على الأستعلاء والعنجهية، وعدم الأعتبار للأخر ، والأخر هو الشعب العربي الفلسطيني صاحب الأرض والوطن في تل أبيب ونتانيا والناصرة عيليت وكل ذرة من أرض النقب والجليل والمثلث ومدن الساحل المختلطة ، وكل شواهد القبور والأديرة والمساجد والبيوت العتيقة تشير لمن هو صاحبها ومن هندسها وبناها ولمن تعود تقاليدها وذوق معالمها وتاريخها للعرب المسلمين والمسيحيين والدروز أم للمستوطنين الأجانب القادمين إلى أرض ليست أرضهم ولن تكون ، ولوطن ليس وطنهم ولن يكون ، ومكان ليس مكانهم ولن يكون.
تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة 11/9/2015 لقرارها برفع العلم الفلسطيني بقوة 119 صوتاً ضد 8 ، ومن قبله خلفية القرار 19/67 يوم 29/11/2012، بالإعتراف بدولة فلسطين عضواً مراقباً بقوة 138 ضد 9 ، يشير إلى المدى الذي بدأ العالم فيه ينحاز تدريجياً لعدالة قضية الشعب العربي الفلسطيني وشرعية مطالبه وحقوقه الوطنية ، وتراجعه التدريجي عن دعم المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وعدم شرعيته وفقدان العدالة عن سياساته وبرامجه وغياب المنطق عن سلوكه وإجراءاته العدوانية العنصرية الإحتلالية.
المشكلة في الإحتلال : نعم ، وفي مشروعه : نعم ، وفي تفوقه : نعم ، ولكن المشكلة الأسوأ تتمثل بعدم وحدة الحركة السياسية الفلسطينية وتمزقها وشرذمتها وإنحدار مستوى التعامل السياسي والتفاهم الجبهوي بين مكوناتها ، وشيوع التفرد بين صفوف إداريتها لدى سلطة رام الله ولدى سلطة غزة ، وكلاهما يتحمل مسؤولية مستوى الهبوط السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية ومكانتها وإنسداد الأفق أمام تطلعاتها نحو إستعادة حقوق شعبها : حق المساواة في مناطق 48 ، وحق الإستقلال في مناطق 67 ، وحق عودة اللاجئين إلى بيوتهم التي طردوا منها في اللد ويافا وعكا وصفد وحيفا وبئر السبع.
التقاسم الزمني في ساحات المسجد الأقصى المقدس لدى المسلمين تم ، أو كاد على طريق الأتمام ، وهو المقدمة الضرورية العملية لتقسيم المكان أسوة بما جرى في جريمة المسجد إبراهيم الخليل ، ولا تزال أثارها وسلوكها قائمة والأعتداء الأثم متواصل وبات جزءاً من الواقع كما هو مشروع الإحتلال ، بات قائماً قوياً يتوسل له العرب عبر المبادرة العربية للسلام كي يتقاسموا معه الأرض التي لا يريدها أو التي يستغني عنها تحت يافطة كاذبة عنوانها “ التبادلية في الأرض “ ويتوسلوا له عبر نفس المبادرة حول قضية اللاجئين بأن يسمح لبعض اللاجئين بالعودة ، وهو يرفض ذلك لأن المبادرة العربية منحته حق الأعتراض بنصها على “ حل متفق عليه بشأن قضية اللاجئين “.
أهل القدس لأنهم وحدهم تحت سلطة الإحتلال ، لا سلطة غزة لها تأثير عليهم ولا سلطة رام الله ، أهل القدس وحدهم يقاتلون حتى النخاع ويعملون على تخريب برامج الأحتلال ويعطلون سياسات وخطط حكومة المستوطنين في عملية التقاسم الزماني ، ويشارك أهل القدس أهل الداخل الفلسطيني أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة لأنهم أيضاً في قلب الوحش العنصري الإسرائيلي متحررون من مساوامات سلطتي رام الله وغزة الذين يتوسلون العيش والتعايش مع الواقع وليس مخانقة الناطور الأحتلالي العنصري البغيض.