لم يكن قرار الحكومة الاردنية قبل اسابيع بتعيين 200 حارس جديد لحماية المسجد الاقصى مجرد صدفة.
فالتوجيهات الملكية السامية المستمرة الى الحكومة لرعاية شؤون المقدسات الاسلامية في القدس المحتلة والحفاظ عليها والتي كان اخرها هذا القرار، تأكيداً على فهم القيادة لطبيعة المعركة التي تخوضها مع المحتل الاسرائيلي ونوعيتها وادواتها.
والهجمة المستعرة التي تنفذها قوات الاحتلال الصهيوني بانتهاك حرمة المسجد الاقصى والاعتداء على المرابطين فيه وما يرافقها من اعمال هدم وتحفير في محيط اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ما هو الا اشارة الى ان حكومة اسرائيل المتطرفة اعلنت الحرب لقيام دولتها اليهودية العنصرية المرفوضة اردنيا وفلسطينيا وعربيا ودوليا.
وغضب الملك عبدالله الثاني من الممارسات الاسرائيلية ضد الاقصى والذي لمسه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبل ايام في قصر الحسينية بالعاصمة عمان ينبع من ادراكه للمستنقع الدموي الجديد الذي تريد اسرائيل جر المنطقة اليه، وخداعها للمجتمع الدولي ورفضها الضمني لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس من خلال اعتداءاتها المتواصلة على «الاقصى».
فقد كانت رسالة الملك واضحة ولا تحتاج الى تأويل او تفسير، فاستمرار الممارسات الاسرائيلية ضد المقدسات الاسلامية في القدس سيؤثر على العلاقة بين الاردن واسرائيل ولن يكون أمام الأردن خيار إلا أن يتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة.
وسبق ان عرفت اسرائيل ماذا يعني غضب الملك، يوم حاول رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو تخفيفه بالسماح للفلسطينيين بالصلاة في المسجد الاقصى بعد انتهاكات لحرمة قبلة المسلمين الاولى.
واسرائيل التي نكثت اليوم بالضمانات التي قدمتها للاردن سابقا بخصوص عدم تكرار انتهاك حرمة المسجد الاقصى تعي تماما ان الوصاية الهاشمية على المقدسات هي ما يعطل مشروعها الاحتلالي العنصري لاعلان يهودية الدولة وكذلك الحراك الملكي في العالم لدعم حق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة.
قيادة الكيان العبري السياسية والعسكرية تدرك انها تلعب بالنار فيما ترتكبه من ارهاب في الاقصى والقدس، ولكن انشغال العالم بقضية اللاجئين السوريين وتوجه الانظار الى شواطيء وحدود الدول الاوروبية التي تستقبل يوميا الفارين من براميل الموت ونار الارهاب جعلها تشعر بان الوقت مناسب للبدء بحربها العنصرية لاعتقادها بان صوت الاردن المدوي في المجتمع الدولي لن يكون بذلك الصدى هذه الايام.
واسرائيل التي خسرت العديد من معاركها السياسية مع الاردن، يبدو ان ضعفها الدبلوماسي دفعها مجددا لتنفيذ مخططها بالقوة بعد موجة الدعم الهائلة من برلمانات اوروبية لحق الفلسطينيين في قيام دولتهم وعجزها عن فرملة الاجندة الانسانية والسلمية الهاشمية في المحافل الدولية في هذا الاتجاه، رغم الانشغال الملكي في الدفاع عن الاسلام ورسالته والتصدي لمن يحاول الاساءة له من الارهابيين الخوارج.
ولجوء اسرائيل الى الرصاص المطاطي والحي والايعاز لجنودها بقنص كل من يرشق الحجارة ضدهم دليل على هزيمتها السياسية وفشلها في اشغال الاردن والفلسطينيين والعرب والعالم عن قضيتهم الام «فلسطين» باذكاء الفتن هنا وهناك والدعم الباطني للارهاب الذي لم يعد يخفى على احد بان المستفيد من بطشه فقط «اسرائيل».
ومن الاشياء التي بات يسلم بها، ان امريكا لن تتردد في الردع السريع لاي دولة او جهة تهدد امن اسرائيل، ولذلك لو ان تنظيم داعش الارهابي كان فعلا مصدر قلق للكيان العبري لما توانت واشنطن لحظة واحدة في دعوة العالم لردعه برا وبحرا وجوا كما فعلت مع اخرين كانت داعش مجرد فرقة في جيوشهم. ولكن ما تنفذه داعش من ارهاب وبطش ونشر للرعب وتمزيق لجغرافية المنطقة ما هو الا مساهمة في التقسيم على اساس طائفي وحصر الثروات في يد اقليات على حساب العامة وتدمير لمنجزات دول لم يحافظ حكامها عليها، حتى لا يقوم للامن والامان اي قائمة.
ولذلك، افهم الحرب التي اعلنها جلالة الملك على الارهاب بانها ليست مجرد وأد لاجندات هؤلاء الخوارج وانما حتى لا يكون هناك على الارض ما يبرر لاسرائيل تنفيذ مخطط «يهودية الدولة» بحجة ان هناك فلولا ارهابية اعلنت قيام دولة اسلامية على بقعة جغرافية ما بين سوريا والعراق.
واستمرار الاعتداءات الاسرائيلية على الاقصى والمدينة المقدسة وسكانها المرابطون والتصعيد باراقة دماء اصحاب الحق مستقبلا، يعني ان العلاقة الاردنية مع اسرائيل لن تتأثر على مستوى التمثيل الدبلوماسي فقط بطرد السفير الاسرائيلي من عمان او سحب السفير الاردني من تل ابيب، وانما قد تكون لدى عمان من المفاجآت التي لم تكن بحساب نتنياهو ومن وافقه على اتخاذ هذه الخطوة التي لا يمكن وصفها الا بـ «الغبية» وفق كل المقاييس.
وما دامت اسرائيل اختارت لغة الارهاب والعربدة فعليها ان تتحمل ردة فعل «الحليم» اذا غضب.