قبل ان يذهب الى لقاء القمة الذي يجمعه بالرئيس الاميركي باراك اوباما اوائل الشهر القريب، اختار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعلى وقع وتداعيات الخطوة الروسية الدراماتيكية التي قلبت المعادلات في الشرق الاوسط، المرور بقصر الكرملين والالتقاء بالرئيس فلاديمير بوتين في محاولة من نتنياهو لتعويض الخسائر السياسية والشخصية التي لحقت به، بعد فشله في تحريض الأعضاء الديمقراطيين في مجلسي الكونغرس الاميركي، بعدم التصويت لصالح تمرير الاتفاق النووي مع ايران، والذي اصر رئيس حكومة اليمين القومي والديني المتطرف, على المُضي قُدُماً في تحديه لأوباما وعدم السماح لنصائح مستشاريه وخصوصاً اقطاب اللوبي اليهودي والمتصهين في اميركا بالتراجع عن مسعى غير مضمون كهذا، الاّ انه مضى الى نهاية الشوط وسجّل خسارة صافية، يُلّمح المقربون منه، انه «سيُعوِضها» عندما يحصل على رزمة غير مسبوقة من الاسلحة الاميركية المتقدمة والتي لا تتوفر الا للجيوش الاميركية فقط, «تعويضاً» لاسرائيل عن المخاطر الامنية (المزعومة بالطبع) التي ستتعرض لها، من ايران، بعد ان تكون الأخيرة قد استعادت اموالها المجمدة، وباتت دولة حافة نووية الان او بعد خمسة عشر عاماً على ما ينص اتفاق فيينا، الذي حظر على طهران مواصلة العمل ببرنامجها النووي طوال تلك الفترة، فضلاً عن الثقة التي ستشعر بها طهران بعد رفع العقوبات الاقتصادية والتكنولوجية عنها، مع اعتراف دولي واقليمي بدورها في قضايا المنطقة وملفاتها الساخنة.
ما علينا..
يذهب نتنياهو الى موسكو مصحوباً برئيس اركان جيشه الجنرال ايزنكوت ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال هاليفي، بهدف اضفاء اجواء من «العسكرة» ومنح الأهمية «الاستثنائية» لمباحثاته, ومحاولة الايحاء بأن اسرائيل لاعب كبير في المنطقة يصعب على احد تجاوز دورها وخصوصا مصالحها, ولهذا فهو لا يتحدث الا مع «الكبار» وبخاصة كبار موسكو وواشنطن، الذين عليهم الاصغاء الى ما تقوله اسرائيل ليس فقط لان لديها ما تقوله بل وايضا لديها ما تفعله عبر «اصدقائها» من «ثوار» سوريا الذين ينسقون معها خطواتهم العسكرية و»يستفيدون» من المعلومات الاستخبارية التي توفرها لهم الاجهزة الاسرائيلية المختلفة, فضلا عن التنسيق الامني والاستشفاء والمساعدات اللوجستية العديدة التي تجعل من الجولان السوري المحتل جبهة هادئة ومريحة لاسرائيل ومنصة لانطلاق عدوانها على الجيش السوري والمقاومة اللبنانية والفلسطينية.
ولان ليس لدى احد اوهام بان العلاقات بين اسرائيل وروسيا متدهورة, او يشوبها العداء والتوتر، فان موسكو من جهة اخرى لن تُعرّض مصالحها وقراءتها الجيوسياسية للاوضاع في المنطقة للخطر, في ظل تمدد داعش وباقي جماعات الارهاب التكفيري وعلى رأسها الفرع السوري لتنظيم القاعدة (جبهة النصرة) من اجل عيون اسرائيل، رغم انها ستأخذ في الاعتبار «مخاوفها» المُضخّمة والمفتعلة, ولن ترفض ايجاد نوع من «التنسيق» بين سلاحي الجو لديهما لمنع وقوع مجابهة غير محسوبة, قد لا تحمد عقبى نتائجها، إذا ما كانت الخسائر مرتفعة او تمت قراءتها بمبالغة او بافتعال مقصود.
عدا ذلك.. يصعب توقع نجاح نتنياهو في ثني بوتين عن قراره الاستراتيجي(السوري)، والذي لم يتخذه في لحظة غضب او مزاجية او ترف، بل جاء وفق دراسات وقراءات معمقة، شاركت فيه كل مؤسسات الاتحاد الروسي, السياسية والعسكرية والتخطيط الاستراتيجي التي تلحظ امكانية الانخراط في مواجهة الولايات المتحدة، اذا ما واصلت الاخيرة مساعيها الشريرة من اجل اسقاط النظام السوري وتمكين حلفائها من الهيمنة على سوريا ولاحقا من نقل «المعركة الجهادية» الى الاراضي الروسية.
ليس مستبعدا والحال هذه ان تخرج وسائل الاعلام الاسرائيلية بمبالغات، تأخذ صفة التسريبات, بان بوتين «تعهد» بعدم منح سوريا اسلحة كاسرة للتوازن او السماح لدمشق تزويد حزب الله بأسلحة روسية متقدمة وغيرها من «الاخبار» التي تريد تعظيم خطوة نتنياهو واسطرة دور اسرائيل في المنطقة, الا ان الجميع يعلم بان اسرائيل ليس فقط فوجئت بالقرار الروسي الاخطر منذ عقد ونيف, وانما ايضا بات عليها ان تعيد قراءة المشهد الاقليمي, لان المنطقة بعد الانخراط الروسي المباشر في الازمة السورية ليس هي ما قبله, والايام.. ستروي.