أخر الأخبار
غضب الملك من عصابة الفتنة والتشدد غضب الأردنيين جميعاً
غضب الملك من عصابة الفتنة والتشدد غضب الأردنيين جميعاً

أيُّ فصامٍ هذا الذي يعتمل في نفوس مأفونة حاقدة، شذّاذ آفاق، مصابون بعمى في قلوبهم، وشلل في تفكيرهم، أفقدهم الحس بالواقع والتاريخ والهوية. افتقدوا الى بوصلة الحياة، فاختلطت عليهم الاتجاهات حتى اعتقدوا انهم يعبّرون عن انتصارهم للأقصى الجريح بالسعي الى فتنة وانقسام.. هنا في الأردن !
ولم يع هؤلاء أن الأردنيين بكل مشاربهم ومناطقهم واعراقهم وأديانهم وطوائفهم، انما هم عرب أصحّاء بعقيدتهم وتقاليدهم، وهم فوق الفتنة والقسمة. وأن الأردنيين يوقّرون عاليا معنى المواطنة ومعنى الاسلام المُتمدن المُتسامح، ومعنى قبول الآخر، والآخر هنا هو جزء من الروح الأردنية العربية، مسيحي كان، او غربي، او حتى من أعراق جاءت الى الأردن وتماهت به حتى غدت جزءا لا يتجزأ من حياتنا.
وبما أن سبب الحديث هنا هو تلك الهبّة غير الحميدة وغير المُبرّرة، اثر تعليق(..) أدّى فيما أدّى اليه، أن يخرج مُروجوا الفتن من جحورهم، تارة فلسطيني أردني، وتارة شمال وجنوب، واليوم مسيحي ومسلم ! وهؤلاء لم يعرفوا من هم العرب المسيحيون، واليكم بعض النماذج :
سميح حدادين، جندي في الجيش العربي، تحصّل على اجازة من وحدته بنيّة العودة الى قريته لعقد قرانه.. وما أن وصل الى ماعين حتى اندلعت نيران معركة الكرامة المجيدة.. قال لوالدته «أخشى يا أمي أن يُقال انني تحصّلت على اجازه هروبا من المعركة.. وعيب والله أن أكون هنا وأخوتي هناك.. في ميدان الشرف»، ودون أن ينتظر اجابتها، تدرّع بسلاحه والتحق بوحدته..
وما ان انتهت المعركة والتي شكّلت مفصلا في الصراع العربي الاسرائيلي، اعاد للعسكرية العربية معنوياتها، حتى عاد سميح بالفعل الى ماعين ليتمم مراسيم زواجه، ولكنه الزواج المرتبط بالارض التي ضحّى من أجلها، فكان شهيدا عانق بجسده تراب الاردن الغالي، مفتديا اياه بكل طموحات الشباب التي كانت تعتمر في قلبه.
شهيدا أضاف صفحة العز والفخار الى العرب وبالذات المسيحيين منهم، شاهدا على وحدتنا من حيث الواقع والماضي والمستقبل..
في يوم من أيام حزيران 67 كانت مأدبا على موعد لاستقبال واحد من ابنائها، ابطال الجيش العربي، الدكتور نورس اليعقوب العزيزات، والذي قضى شهيدا عن أرض الغالية «فلسطين».
كانت مأدبا وما حولها، بشيبها وشبابها ونسائها وأطفالها « وأنا منهم» ورفاق السلاح باستقبال الدكتور نورس محمولا على عربة مدفع، جنديا عربيا مقداما، قضى مثل كل عربي أردني حر، يُملي عليه الواجب أن يكون في مقدمة الركب دفاعا عن الوطن ومثله العليا.
كنت والصديق توفيق كريشان، نستذكر بطولات جيشنا العربي، فذكر لي انه عندما استشهد الدكتور نورس كان يستمع الى حوار في ديوانية معانية، سأل أحدهم شيخا حكيما وطاعنا في السن «هل ترى يا شيخنا أن الدكتور نورس الشهيد العربي الاردني المسيحي، سيدخل الجنة ؟
قال الشيخ واثقا» والله.. والله.. سيدخلها.. سيدخلها.. ويأكل من قطوفها».
أحداث ووقائع لا نستطيع عدّها عن أبطال عرب مسيحين قدّموا لامتهم العربية ولوطنهم الأردن جلّ الخدمات وفي كل المواقع والقطاعات. واني لأرجو من القارئ المحترم أن يعود الى سيرة الضابط البحري العربي السوري المسيحي جول جمال وكيف نافح بجسده وحال دون احتلال الاسكندرية العربية ابان عدوان 56.
عودوا الى سلطان باشا الأطرش الدرزي العربي وقيادته لثورة سوريا المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي ايام العشرينات.
عودوا الى سيرة ابطال ثورة العشرين في العراق في البصرة والديوانية والسماوة والنجف.. وكلهم عرب شيعة، لتتحققوا بأن هذه الأمة لا تنقسم على اثنين. وانّ الاسلام دين جمع وليس دين فرقة، وانّ كل التنوعات في الجسم العربي هي مصادر للاغناء وليس مصادر للهدم، هذا شريطة أن يعود العقل العربي الى توازنه المطلوب وأن ينبذ الفرقة والتشدد والانقسام، ولنتذكر أن الوحدة النفسية للانسان العربي هي المقدمة الضرورية لاعادة النهوض.
وبعد.. انّ غضب الملك على مروجي الفتنة هو غضبنا جميعا، وعلى الحكومة ان تشرّع وعلى الفور قانونا، يعتبر أن كل من يخل بوحدتنا الوطنية على أساس جهوي او ديني او عرقي انما هو في حكم من يخون الوطن.