كثيرة الشواهد والمواقف التي تؤشر الى فاعلية الحضور الملكي وتأثيره في المنظومة الدولية بفعالياتها ومنظماتها ودولها الوازنة والمؤثرة، ما يعكس المكانة المرموقة التي يحظى بها جلالة الملك عبد الله الثاني في هذه المنظومة، بصورة أسهمت وما تزال تسهم بوضع الأردن على خارطة السياسة العالمية، وجعلته يقطف ثمار النجاح الباهر الذي حققته الدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالته، حتى غدا الخطاب الملكي الأردني موضع احترام وتقدير الاسرة العالمية.
وكثيرا ما وظف الاردن هذه الميزة الإيجابية ووضعها في خدمة قضايا المنطقة وملفاتها، وفي مقدمة ذلك القضية الفلسطينية التي تحتل الأولوية المطلقة على الاجندة الملكية، وباتت تشكل الشغل الشاغل لجلالة الملك في كافة المناسبات واللقاءات التي يجريها، خاصة مع دوائر صنع القرار الدولي التي باتت على ثقة بأهمية التعاطي المسؤول مع هذه القضية وإعطائها ما تستحق من اهتمام. ما يعني ان الفضل يعود لجهود جلالة الملك في احتلال هذا الملف أولويات اجندات المشهد العالمي.
والكيان الإسرائيلي يدرك هذه المسألة جيدا، ويعي الثقل الملكي ودوره في إبقاء ممارسات هذا الكيان وتصرفاته العدوانية والاستفزازية في الأراضي المحتلة تحت سمع العالم وبصره، وهو ما اسهم فعليا في احداث تغير ملموس في المزاج العام في بعض الدول المؤثرة لصالح الجانب الفلسطيني على شكل اعترافات حكومية وبرلمانية دولية بدولة فلسطين.
ان هذا الامر ينسحب أيضا على ملف القدس والمسجد الأقصى / الحرم القدسي الشريف، وما تتعرض له الأماكن المقدسة من حين الى اخر من اعتداءات وانتهاكات، وقيام الجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين الاسرائيليين باقتحام باحات المسجد الأقصى والاعتداء على المرابطين ومحاصرة المصلين في المسجد القبلي في محاولة من الكيان الإسرائيلي لفرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وهو ما قابله الأردن بردود فعل غاضبة تمثلت بتوظيف علاقاته القوية ودبلوماسيته الناجحة بلفت انظار دول العالم، ووضعها امام مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية والقانونية، للحد من هذه الاعتداءات والاستفزازات الإسرائيلية الخطيرة في الوقت الذي ما تزال فيه دول المنطقة خاصة العربية والإسلامية، غارقة ومشغولة في مشاكلها وقضاياها الداخلية، فيما الأردن مستمر في مواصلة دوره ومسؤوليته على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتداعياتها الخطيرة، انسجاما مع الوصايا الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة، التي اعيد التأكيد عليها في الاتفاق التاريخي الذي وقع بين جلالة الملك والرئيس الفلسطيني محمود عباس شهر اذار 2013 والذي اودع رسميا لدى الجامعة العربية.
واجرى جلالة الملك الاتصالات مع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية والدولية الفاعلة والمؤثرة في منظومة العلاقات الدولية، لوضعهم بصورة تطورات الوضع في القدس، ما اجبر الجانب الإسرائيلي على القيام بارسال إشارات تنطوي على تراجع، وان كان تراجعا لا يعتد به كالزعم بان اسرائيل تعمل جاهدة للحفاظ على الوضع القائم في المسجد الاقصى، الا ان هذا الزعم له دلالاته التي تؤشر الى ان اسرائيل تدرك التأثير القوي والفاعل لجلالة الملك في الساحة العالمية، وقدرته على تأليب المجتمع الدولي وتجييشه ضد الاستفزازات الإسرائيلية.
فالاردن يخوض يوميا مواجهات عبر المحافل والمنظمات الدولية خاصة في لجنة التراث العالمي في اليونسكو، لمنع إسرائيل من القيام باية إجراءات تستهدف تغيير الواقع العربي والإسلامي والتاريخي والتراثي للقدس والأماكن المقدسة فيها، حيث اصدر المجلس التنفيذي لليونسكو قرارا يطالب إسرائيل كقوة احتلال بعدم تغيير الوضع القائم في القدس، والنجاح في دفع منظمة اليونسكو بتبني قراري الأردن بحماية القدس القديمة وطريق باب المغاربة، وتسجيل القدس ضمن التراث العالمي المهدد بالخطر لدى اليونسكو منذ عام 1981، رغم المحاولات الإسرائيلية في افشال هذا القرار، إضافة الى نجاح الجهود الملكية في انتزاع اعتراف دولي من مجلس الامن باستخدم مصطلح الحرم الشريف، انسجاما مع المطالب والاحتجاجات الأردنية لدى لجنة التراث العالمي في دوراتها المختلفة حول قيام إسرائيل بتزوير الحقائق بوصف المسجد الأقصى بانه جبل الهيكل والترويج لذلك دوليا، دون ان نغفل الدور الأردني في إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى امام المصلين ومن مختلف الاعمار. ما يؤكد تحمل الأردن لمسؤولياته والتزاماته الدينية والتاريخية في حماية المسجد الأقصى، تماشيا مع الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.