لم يكن للأردن أية مصلحة في تفجر الأحداث في سوريا على هذا النحو الكارثي قبل خمس سنوات، فرغم التناقض في الكثير من القضايا والملفات إلا أن الأردن كان يؤمن بان التعايش هو الحل مع هذا الجار الشقيق المزعج، ويجب أن يبقي التعايش «سيد الموقف»، واليوم وبعد أن أصبحت الدولة السورية منكوبة وفاشلة وبات النظام يسيطر على عشرين بالمائة فقط من ارض الدولة السورية فإن الأردن لا يرى له مصلحة في أن تبقى سوريا ساحة صراع مفتوحة بين الإرهاب الممثل بداعش وغيرها من التنظيمات التكفيرية والإرهاب المقابل الممثل بإيران والميليشيات التابعة لها كحزب الله أو الميليشيات الشيعية العراقية.
بعد خمس سنوات من الحرب العبثية التي تشابكت بها العوامل الداخلية بالعوامل الخارجية بشكل بات معقدا للغاية، نجد أن الدور الروسي أصبح أقوى من أي وقت مضى وتحول من عامل تعطيل لإسقاط الأسد إلى قوة أساسية في معادلة الحل السياسي المتوقع، تلك المعادلة التي تحدث عنها الروس مرارا والقائمة على أساس بقاء الأسد ونظامه والتفاوض مع المعارضة المدنية المحلية، والاتفاق على برنامج انتقالي أساسه الإصلاح السياسي وإجراء انتخابات برلمانية بعد تعديل قانون الانتخابات وإجراء انتخابات رئاسية بعد الاتفاق على التعديلات الدستورية.
ما يهمنا فيما كل ما سبق هو الواقع الجديد في سوريا الذي أصبحت فيه موسكو تملك 99% من أوراق اللعبة أو الحل، فروسيا أصبحت «القبلة» التي يتجه اليها المعنيون في الأزمة السورية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية نفسها التي باتت اقرب من أي وقت مضى للحل الروسي في سوريا والتي أعطت من الناحية العملية تفويضا لها للتحرك بكل الاتجاهات في هذا الملف الملتهب، وكذلك إسرائيل التي لم يعد يعنيها بقاء الأسد من ذهابه طالما أن روسيا هي التي تُسيطر على الوضع العسكري والأمني في سوريا وتحفظ امن الجولان، فإسرائيل كانت متخوفة دائما من بديل الأسد، فالبديلان المحتملان في معادلة الصراع في سوريا هما إيران والتنظيمات الإرهابية المتطرفة وهما غير مضمونان بالنسبة لها، وكذلك الحال بالنسبة لتركيا التي بات يؤرقها بالإضافة للنفوذ الإيراني في سوريا وتنامي دور «داعش» تنامي الدور الكردي سواء السوري منه أو التركي، ولهذا فهي تعمل على التفاهم مع روسيا على معادلة حل في سوريا يحفظ لها مصالحها.
أما نحن في الأردن فليست لنا مصلحة بان تسقط الدولة السورية في يد التنظيمات الإرهابية، ولا أن تتحول إلى دولة تابعة لإيران على غرار النموذج العراقي، وبالتالي فإن زيادة النفوذ الروسي في سوريا والذي سيكون حتما على حساب هذين الطرفين يشكل في ظل ضيق الخيارات المتاحة لحل الأزمة السورية «أفضل السيئ».
منذ البداية الأردن لم يكن طرفا في الأزمة السورية، ولهذا لا يستطيع المساهمة في الحل ولا المشاكسة بتعطيله، ولا مصلحة له في تحويل جغرافيا الدولة السورية إلى خارطة لهب وفوضى تزيد من توتر المنطقة واستنزاف استقرارها.
قنوات التفاهم مع (الجار الروسي في سوريا) متاحة ومتوفرة وعلى أعلى المستويات وهو أمر يجعلنا منحازين أكثر من أي وقت لحل مركب وتوافقي يراعي مصالحنا ومصالح الجوار الجغرافي لسوريا ويجلب الاستقرار النسبي للإقليم.