لا ينفك جلالة الملك في معظم خطاباته الا ويتحدث عن قضية القدس، مستفيدا من المنبر الاممي الكوني المتاح لشرح وكشف سياسة التضليل والتهويد التي تمارسها اسرائيل يوميا، والتي طالت أخيرا المرابطين داخل المسجد الاقصى ،الذين يدافعون عنه بأيديهم وصدورهم واجسادهم.
الخطاب الملكي لأمم الارض، ليس مجرد كلمات تنظم او سطور تكتب، بل هي أكثر من خريطة طريق ورؤية لما يجب ان تكون عليه حال الامم في المستقبل، في حال أردنا ان يكون هناك تغيير حقيقي في احوال العالم التي لا تسر حتى المتنازعين والمتخاصمين على المكاسب وتقسيم الدول والاوطان.
القدس بوصايتها الهاشمية وشرعيتها الدينية ورمزية التعايش واحترام المعتقدات وأحقية اهلها بممارسة شعائرهم الدينية، كل هذه عناوين تعكس تفكيرا هاشميا عميقا يحاكي ضمير ووجدان العالم، قبل ان تقع الكارثة /لا قدر الله/، فلا الاحتلال لديه الشرعية حتى وان توفرت له القوة والدعم ، ولا الفكر المتطرف يمتلك تقرير مصير الشعوب ،باستخدام القتل والخوف وقطع الرؤوس، فهذه المنطقة لا تقبل الا الاعتدال والحكماء.
اللقاءات الملكية في الزيارة الاخيرة لنيويورك ، زادت على عشرين لقاءً مع زعماء العالم، وأجزم أن أيٍّا منها لم ينحل من الحديث عن القدس والمقدسات وأهميتها لمسلمي العالم ومسيحييه، وقد ربط جلالته هذا العنوان بالتسامح والتعايش المنشود، حيث « الوصاية الهاشمية على المقدسات واجب مقدس» ، وما رفض التهديدات التي تتعرض لها المدينة ومقدساتها يوميا إلا تعبير عن موقف حازم وجاد تجاه كل الانتهاكات اليومية لهذه المدينة المقدسة.
الارهاب العالمي، تيار آتٍ بعد ان وجد ارضية مناسبة له بعد وقع فراغ في السلطة في عدة دول، وهو موجود ايضا في دول تدعي الديمقراطية والاعتدال والرغبة في السلام، فالمستعمرون الذين يدنسون دور العبادة في القدس، ليل نهار، دون ان تحرك القوى الدولية المؤثرة ساكنا، يبعث على الريبة والقلق، من النوايا المبيتة لهذه المنطقة، والمتطرفون الذين يحرقون بيوت اللاجئين السوريين في اوروبا ، انعكاس لتفكير المجتمعات الغربية تجاه قضايا انسانية كانت على الدوام محط فخر واعتزاز لهذه المجتمعات عند الحديث عن حقوق الانسان والنظرة الانسانية واللجوء السياسي وغيره.
الابقاء على الوضع التاريخي في القدس، وإحترام الوضع القائم قولا وفعلا، اتفاق أممي معلن، وهو يخدم كل الاطراف ، في هذه المرحلة المعقدة من تاريخ المنطقة، ولا يمكن القبول بتحول المدينة الى عنوان للصراع الديني، انسياقا وراء ثلة من المستعمرين المتطرفين، وفي نهاية الامر لا يمكن التنبؤ بما يخبئه المستقبل لهذه المدينة، طالما ان هناك نوايا بتغيير الوضع التاريخي للمدينة ، بحجج واهية وأوهام لا وجود لها.
ان محاولات انهاء القضية الفلسطينية وتجاهلها والركون الى الوضع القائم، لن يكون حلا لمشاكل المنطقة، بل على العكس، كانت القضية المركزية والاساس لكل ما يحدث ، وهي لن تنتهي طالما لم يتم ايجاد حل عادل وشامل وكامل لهذه القضية، مهما كانت محاولات التجاهل والاهمال، وستبقى قضية المقدسات اساس الصراع وعنوانا للحقوق المغتصبة، وستبقى الشرعية عربية هاشمية ومقدسة.