تتسارع الاحداث في المنطقة، على نحو يصعب بالفعل التكهن بالمدى الذي ستصل اليه، بعد ان وصلت الأمور – في ما يبدو وحتى الآن – الى نقطة اللاعودة او اقرب اليها قليلا، والتي تتبدى في القرار الاميركي الذي لا يمكن وصفه بغير «الفشل الموصوف» والقاضي بوقف تدريب وتجهيز مقاتلي «المعارضة» السورية، وذلك حتى مراجعة هذا البرنامج مع النتائج التي حققها» على ما اعلنت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يوم أول من أمس.
القرار الاميركي الذي لم يكن مفاجئاً بقدر ما جاء متأخراً، نظراً لم يتميز به الاميركيون من استعلاء او قل مكابرة وعدم الاقرار بالفشل, على قاعدة ان اميركا وشعبها هم «استثناء» في عالمنا، اي يحق لهم ما لا يحق لغيرهم وايضاً ودائماً بأنهم معصومون من الخطأ وانهم اصحاب «فضل» على البشرية، التي عليها ان تخضع لأوامرهم، وان تُقدِم مصالحها على مصالحهم, وان يأخذوا في الاعتبار ان الاميركي ودمه «حرام» على اي انسان في كوكبنا، فيما دماء شعوب الارض كافة مهدورة ما لم يُكرِّس اصحابها جهودهم من اجل خدمة اميركا التي تتصدر ورقتها الخضراء (الدولار) عبارة نضع ثقتنا بالله وكأن شعوب المعمورة تثق بإله آخر.
ما علينا..
يوم الأمس، ارسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي شكل يأخذ صفة الاستعجال، رسالة الى مجلس الاتحاد الروسي، يطلب فيها الموافقة على ارسال قوات روسية الى الخارج، ما يعني امكانية ارسال كتائب من الجيش الروسي، الى بؤر توتر وساحات عنف للمشاركة في الدفاع عن احد اطرافها او التواجد الدائم فيه، ولأن اوكرانيا «جارة» لروسيا والحدود بينهما تكاد تكون مفتوحة في ظل اعلان جمهوريتي(الدونباس) دونيستك ولوغانسك استقلالهما (ولو من طرف واحد)، فان الانظار اتجهت الى سوريا والحرب الكونية التي تشنها قوى ارهابية وتكفيرية عليها، مدعومة من اطراف اقليمية ودولية، ما تزال تُصر على اسقاط الدولة السورية ونشر الخراب والفوضى فيها, وبالتالي تقسيمها وفق اسس مذهبية وطائفية وعرقية, تفتح الطريق واسعاً, سهلاً ومريحاً للعصر الاسرائيلي والهيمنة الصهيواميركية المفتوحة.. بدليل انها ما تزال حتى اللحظة وفي شراسة ولؤم, تُخفيان حجم الفشل الذي لحق بمشروعها الاجرامي, ما تزال تُصر على رفض أي حلول سياسية للازمة السورية, طارحة شروطاً تعجيزية تعلم هذه الاطراف قبل غيرها, أن ما استعصى عليها طوال اربع سنوات ونصف السنة, رغم استعمالها كل ما تحت ايديها من اموال وإعلام واستخبارات واسلحة وعملاء, لن يكون بمقدورها اليوم تحقيقه, بعد ان انهارت قواعد اللعبة التي ارادت فرضها منذ اندلاع الازمة, وباتت الان مُجبرة على اللعب بقواعد جديدة, تقدم اللاعب الروسي الصفوف للمبارزة فيها, ما يمنح طلب الرئيس فلاديمير بوتين الاخير من مجلس الاتحاد الروسي أهمية استثنائية, تُسهم في قلب موازين القوى, وتُجبر المتغطرسين والوالغين في الدم السوري, على الانخراط فيها أو دفع ثمن ما قارفت ايديهم.
ليس ما يُكتب شعراً أو سقوطاً في بحور من الاوهام والاحلام والقراءات الرغائبية, بل إن الامور وبعد «الجدل» الاميركي الروسي, من على منصة الجمعية العامة للامم المتحدة, الذي تجلّى في كلمتي الرئيسين اوباما وبوتين, يدفع للاعتقاد بأن الوقت قد حان لخطوة مشتركة شجاعة تُطيح بكثير من المواقف والخطط والمؤامرات التي ارتكبتها اميركا ومن ساندها في الحرب القذرة على سوريا وتمنح الفرصة للسوريين أنفسهم ووحدهم لتقرير ملامح وأسس المرحلة الجديدة التي لن يكتب لها النجاح, إلا اذا استندت الى حوار مفتوح ونقاش حضاري سلمي, بعيداً عن قعقعة السلاح وارتكابات الارهابيين وتصنيفاتهم التي تورطت فيها اميركا عندما رصدت نصف مليار دولار لتدريب من تختارهم وتصطفيهم من «المعتدلين» حتى لو كانوا في صفوف داعش (هل تذكرون اقتراح الجنرال ديفيد بترايوس..البائس؟) وجبهة النصرة, كي يقوموا بهزيمة داعش واسقاط النظام السوري.
وقف تدريب «المعتدلين» من «مقاتلي الحرية» الذين طالما احتضنتهم اميركا ووكالات استخبارات, يؤذن بانكفاء اميركي محمول على فشل ذريع وموصوف, وطلب (اقرأ قرار) الرئيس الروسي لارسال قوات الى الخارج, يُعيد خلط الاوراق على نحو اكثر عصفاً من قرار الانخراط الروسي في الازمة السورية, عندما تم ارسال طواقم بحرية وجوية الى السواحل السورية في الثلث الاخير من شهر ايلول المنصرم.
قراران خطيران... اميركي وروسي, صدرا في توقيت واحد, والصدفة وحدها هي التي اضاءت على حجم وطبيعة ما يمكن ان يترتب عليهما من اثار وتداعيات وأكلاف.
.. لا بد من الانتظار, فالاوضاع آخذة في السخونة التي تقترب من درجة الغليان.