ليس محمود عباس الرئيس الرمز ولا الشيخ رائد صلاح، ليس أي منهم هو العصا التي تعطل دولاب السلام ولكنه بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إئتلاف اليمين الذي يجلس في مكتبه على أرض يعلم أنها ليست له.
نتيناهو اليهودي الأخير حاضر في كل مكان، يجادل في المسلمات ويناقش في المستحيلات، ويستبق الأحداث ويهدد القوى التي يخشاها، وكل ذلك تحت عنوان كبير لا يحيد عنه قادة الكيان الإسرائيلي وهو أمن وحماية دولة إسرائيل ومواطنيهم، فخصومته تعني أن مصلحة ما لم تتحقق له عند البيت الأبيض أو في عمّان أو حتى في رام الله التي لا يعتبرها منطقة خارج حدود سلطته، فهو رغم سلخ اليسار الإسرائيلي لجلده ومشاكسة قوى المعارضة، لا ينفك يتزعم حلف اليمين المتطرف داخل إسرائيل ليهاجم الشركاء قبل الأعداء، ويقتل جنوده فتاة فلسطينية عزلاء ليعرّضوا ضابط استخبارات المستوطنات وزوجته للقتل ثأرا للهشملون.
نتنياهو وريث إمبراطورية العناد والتنصّل واحد من أهم أسباب الكارثة المستمرة في الشرق الأوسط، فهو عنيد لا يقبل الشروط الموضوعية إن لم تخدم مصالحه، فقد هاجم الأسبوع قبل الماضي الأردن وقيادته واتهمه بأنه السبب وراء التصعيد في المسجد الأقصى ومدينة القدس، وأن الدعم الأردني للمرابطين والموظفين والأهالي في القدس هو السبب وراء منع قطعان المتطرفين اليهود الذين يدنسون المسجد ولكن السبب الآخر لغضبه هو استقبال الملك عبدالله الثاني لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد غياب، وتصريحات الملك الواضحة برفض التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي ورفض أي اعتداء عليه أو سياسة تغيير هويته الإسلامية، واعتبار المسجد الأقصى مكانا مقدسا خاصا بالمسلمين فقط، وهذا ما أعاده جلالة الملك في خطابه على منصة الأمم المتحدة، وأكد الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة هناك.
الإسرائيليون يدركون تماما أن الأردن هو المانع الوحيد لهم عن تحقيق غاياتهم المعلنة والسرية، فقد فشلوا فيما مضى أمام امتحانات عملية أهمها إعادة ترميم الحائطين الشرقي والجنوبي الذين تولى بناءهما الأردن، وبعدها فشلوا أيضا في معركة الجسر الدائم من جهة باب المغاربة، نتيجة الرفض الأردني واستبداله بجسر خشبي، فضلا عن الضغط الأردني الذي أضطر الحكومة الإسرائيلية على تغيير المولد الكهربائي القديم جدا والذي يغذي المسجد الأقصى، حيث تم استبداله بوحدات ومولد كهربائي حديث وتغيير كافة خطوط التوصيل الكهربائي التي بلغ عمرها خمسين عاما بحديثة جدا، وليس آخرا فك الحصار عن دخول المصلين في رمضان الماضي للأقصى، وإلزام الجانب الإسرائيلي بضبط دخول اليهود للقبة المشرفة.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال قبل أيام أن عدم حل القضية الفلسطينية هو سبب الصراع في الشرق الأوسط، وهذا ليس بجديد، ولكنه تأكيد على أن كل مصائبنا وصراعاتنا في هذا الشرق العربي نشأت بناء على تهديد النظرية اليهودية للوجود العربي والإسلامي في فلسطين، فهي خلية سرطانية متحركة، وكل التنظيمات المتطرفة والجهادية وحتى الأنظمة الدكتاتورية التي لم تقاتل يوما إسرائيل، قاتلت وتقتل الشعوب والأبرياء بحجة مواجهة الخطر الصهيوني الإسرائيلي.
نتنياهو سيبقى متسمرا على مقعد المُلك وعلى رأسه التاج يحلم في هيكل سليمان الخرافي، لأنه يعتبر نفسه اليهودي الأخير فعلا الذي يقاتل للدفاع عن قلعة إسرائيل تماما كأسلافه الصهاينة، وبناء على ما سبق ذكره فإن اليمين الإسرائيلي وزعماء القلعة الصهيونية لا يرون حائطا مانعا لهم سوى الوصاية الأردنية على القدس،وهم يحاولون التخلص منها بأي ثمن.
قبل عام ونيف كتب»نداف شرغاي» مقالا شبه الملك عبدالله بأنه حارس الأملاك المقدسة،واستشهد بلوحة قديمة للمسجد الأقصى رسمها الفنان الألماني «غوستاف باورنفند»، اللوحة معلقة في القاعة الرئيسة للقصر الملكي بعمان، ويظهر فيها مجموعة من اليهود ينظرون بشهوة من خلف الباب الى باحة الأقصى ولا يستطيعون دخوله، حيث يمنعهم حارس يمتشق رمحه، وهذا الحارس بنظر اليمين الإسرائيلي هو الملك عبدالله مالك اللوحة، فهل هناك من يساند الأردن في حمله الثقيل كي تبقى كفه العارية تغلق باب الشر الإسرائيلي؟
الرأي العام العالمي والعربي منشغل بالحرب والاضطرابات في سوريا واليمن والعراق وليبيا، والحكومة الإسرائيلية منشغلة باستغلال ذلك الانشغال بابتلاع القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية والتخطيط لذلك بحماية نتنياهو، ولا يفضحهم سوى المدافعين عن الأقصى وشباب القدس، فهل يعي جمهور المتخاصمين من المعارضة والموالاة أنهم يساعدون اليهودي الأخير لبلوغ غايته.