عاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى رام الله من نيويورك وسط احتفال شعبي في مقر المقاطعة بعد خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وذلك بحضور لفيف من كبار المسؤولين الفلسطينين في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح ولجنتها المركزية ومجلسها الثوري، وفي كلمته أمام الحشد قال "ما قلناه هناك (في نيويورك) نقوله هنا ونلتزم به هنا، الكلمة لن تكون كلمتين، واللسان لن يكون لسانين ونحن ملتزمون بكل كلمة قلناها هناك لنعمل عليها هنا ونطبقها هنا بإذن الله"، وهذا شئ جميل لا يختلف عليه إثنان إن طبق كما نفهمه كابناء شعب فلسطين وليس بمفهوم الرئيس ومصطلحاته ومخرجاته بالرغم من أن قاضي القضاة د. محمود الهباش صرح بما يتنافى مع هذا الموقف الرئاسي!!!.
الرئيس عباس تطرق أيضاً إلى رفع العلم الفلسطيني في الأمم المتحدة وقال "العلم ليس رمزا فحسب وإنما هو عنوان مجد، عنوان كرامة، عنوان تاريخ، عنوان حاضر، وعنوان مستقبل، ولذلك عندما نرفع علمنا فإن مجدنا وكرامتنا كلها ستكون مرتفعة في الأمم المتحدة وفي فلسطين إن شاء الله ، لذلك علينا أن نعمل وأن نجد، الوقت أمامنا والطريق أمامنا وأقول لكم إن المستقبل لنا بإذن الله"، وهذا كلام جميل أيضاً، ولكن كما أعرف ويعرف الأخرين أن الرئيس نفسه صرح يوم أن تم التصويت على رفع العلم بأن ذلك عملاً رمزياً ولا يمثل عملاً ضخماً ، وسؤالي هنا أيضاً عن اي وقت يتحدث الرئيس بأنه لا زال أمامه وشعبه يموت ؟ وعن أي مجد وكرامة يتحدث الرئيس وهذا المجد وهذه الكرامة ديست بأقدام رجالاته قبل أن تداس بباسطير الإحتلال، وهل ذهابه إلى الأمم المتحدة كان فقط من أجل رفع علم يستطيع أن يرفعه من مقر المقاطعة؟!!!.
السؤال الأهم هو ألم تتناقض هذه التصريحات مع الواقع وقسوته ، وهل قمع مسيرة في بيت لحم وضرب الأطفال يساهم في أي عمل كفاحي؟ ، وهل قمع مسيرة طولكرم وإعتقال من شارك فيها ممكن أن يساهم في رفع العلم على العاصمة الأبدية كما وصف مدينة القدس المحلتة ويجلب مجد وكرامة ؟، وهل يا ترى حصار أهل غزة والتحريض على منع مواد البناء من الوصول إلىهم لبناء مساكنهم التي هدمت ولا زالوا مشردين في مراكز الإياوء بالرغم من قسوة برد الشتاء وحرارة الصيف، ممكن أن يساهم في اي كفاح وطني فلسطيني؟ ، وهل يستطيع الرئيس محمود عباس أن يوقف التنسيق الأمني وكيف عاد هو إلى رام الله وكيف سينفذ تهديداته وأين؟ ، هذه الأسئلة لربما تحتاج إلى أجوبة مصحوبة بزفراتٍ عميقة، لذلك سنحاول هنا قدر الإمكان أن نغوص في جوانبها متسلحين بصحوة ضميرنا وحياديتنا:
أولاً : المظاهرات السلمية التي خرجت في بيت لحم كانت تقول بصريح العبارة أن الرئيس عباس لم يعد يمثل هؤلاء الفتية والشباب الغاضبين وهذا لم يأتي من فراغ بل من تراكمات افقدت هذا الشباب الثقة بأن هناك إمكانةي للتغيير وأن غداً أفضل ويحمل معه بشرى الأمل بالأمن والأمان والسلام ، بالتالي لم يتبقى أمام الرئيس عباس خيار الا معالجة الأمر بمسؤولية وشجاعة قبل أن يخرج شعب بأكمله ضده وهو من قال بأنه لو خرج إثنان يطالبون برحيله سيرحل ، فلا حاجة للرحيل ولكن هناك حاجة للخروج من دائرة الوهم إلى دائرة الأمل سيادة الرئيس!!!.
ثانياً : المظاهرات السلمية التي خرجت في طولكرم من الواضح أنها لم تكن موجهة ضد أي جهة فلسطينية بقدر ما كانت إحتجاجات ضد ممارسات مرفوضة من قبل المستوطنين وقوات الإحتلال في ظل فقدان الأمل بأن هناك إمكانية لعقد سلام تستحقه شعوب المنطقة للعيش بأمن وأمان وإزدهار، وبالتالي هذا يتنافى مع ما ذكره الرئيس عباس من رفض القمع وتشجيع للحريات.
ثالثاً : لو تمحصنا ما يقوله الرئيس عباس بأن حركة حماس هي من يعطل إتفاق المصالحة وهي من يجسد الإنقسام ، وكون أن الشواهد جميعها تقول أن هناك تيار متطرف وضاغط وصاحب قرار بالرصاص داخل حركة حماس ويوظف لذلك افكاره المتطرفة ولا يريد مصالحة إلا أنه من الواضح ايضاً أن هناك طرف أخر يعي حجم المصيبة والمأزق الذي وضعوا أنفسهم وأبناء شعبهم فيه ، يبحث عن طريق لكي يكون جزء من المجتمع الفلسطيني وقبول المتطلبات الدولية بواقعية ، ولذلك اليس من الأجدر بالرئيس أن يفرض قراره بحماية شعبية لوضع هذه الحركة بكل مكوناتها المتمردة وغيرها في الزاوية وجعلها تقبل بحكم الأمر الواقع بإنهاء الإنقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية متوازنة ومقبولة دولياً مهمتها التحضير للإنتخابات العامة والشاملة في مدة لا تتجاوز الستة أشهر من أجل حماية ابناء شعبه ووقف معاناتهم والامهم وأوجاعهم من الحصار الجائر ومن ما يفعله بعض المجانين المتطرفين فيهم؟ ، أم أن الحقيقة لها وجه أخر يقول بأن كل ما يحصل يروق للرئيس عباس ويتقاطع مع مصالحه ويساعده في إستمراره في نهجه وهو عمل مبرمج هدفه حشر غزة بالكامل في الزاوية لتطويعها وإذلالها وبالتالي إعلان إنفصالها وتحميلها ما يترتب على ذلك بدون أن يتحمل الرئيس نفسه أدنى مسؤولية عن ذلك إن حصل؟.
رابعاً : المجلس المركزي الفلسطيني انعقد في رام الله في شهر آذار (مارس) الماضي برئاسة الرئيس محمود عباس، واصدر قرارا بوقف التنسيق الامني، ولكن ما حدث ان هذا التنسيق ازداد قوة طوال الاشهر الستة الماضية ولربما أن هذا جاء في سياق التطورات الميدانية وضروراتها ، ومن نتائجه أن شاهد الجميع على شاشات التلفاز في حادثتين مخلتفتين ومتقاربتين في الزمن، رجال الامن الفلسطينين يكسرون عظام فتى فلسطيني من مخيم الدهيشة في بيت لحم وبصورة بشعة وقاسية ، وبالتالي هذا أمر غير مفهوم ويتنافى مع قرارات صدرت بوجود الرئيس نفسه !!!.
خامساً : لو فرضنا جدلاً أن الرئيس محمود عباس جاد بما قاله في الأمم المتحدة ولم يبيعنا وهم ، اليس الأجدر به أن يعطي مدة زمنية محددة للتنفيذ؟ ، أم أن الأمر مفتوح إلا ما شاءالله كغيرها من تهديدات بقيت حبر على ورق في تعمد مقصود لذلك ؟!، متسلحاً للتغطية على ذلك بلفت الإنتباه من خلال الأكشن الإعلامي وبالتالي قتل الوقت ونسيان الحدث مع مرور الزمن بدون نتائج تذكر وتبقى دغدغة المشاعر وإعطاء الأمل بدون تنفيذ لأي تهديدات يعجز عن تنفيذها هي الحل الأمثل في ظل وجود من يتعطشون لهذا الأمل ويصدقون أن هناك إمكانية لتحقيق أوهام مغلفة بأمال سرعان ما يتبين أنها تتبخر كالسراب!!.
أخيراً ، إن كان الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية جادون ويعتقدون فعلاً فيما يقولون وينظرون إلى شعبهم نظرة إجلال وإكبار على أنه شعب عظيم لا يقبل المهانة ولا الإذلال، عليهم الإرتقاء إلى مستوى تطلعات هذا الشعب وأن يكونوا عند حسن ظنه فيهم من خلال مراجعة ما يتحملوه من مسؤوليات إتجاهه ، لأن العواطف اللحظية لا تليق بحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الموقع الذي يتمتعون بمزاياه ، وبأن يبادروا برد الحقوق لأصحابها وفتح المظلة الوطنية لتحتوي الجميع وأن تتوقف حالة المغالاة بالتغول على كرامة المواطنين والإمعان بقمعهم ، وأن تعم ثقافة القبول للأخر بدلا من ثقافة الإقصاء والتخوين والتشكيك ، وليعلم الجميع أن رفع العلم الذي يمثل حاضر ومستقبل وتاريخ نضالات الشعب الفلسطيني ليس أهم من كرامة شعب يئن ويتوجع ودفع من عمره ومن مستقبل أبنائه ليس من أجل أن يأتي من يحتكر صبره ونضالاته ويجيرها ليبني تاريخاً لنفسه ، فهذا علم شعب ليسوا من العبيد، بل هو علم شعب يتطلع للحرية والإستقلال ، ولا يوجد هناك مكان لمن يريد المتاجرة برفع علمه هنا أو هناك ليصبح جزء من مسلسل اصبحت معظم حلقاته مفضوحة ومكشوفة وواضحة المعالم والأهداف بين ما يريده الرئيس عباس من شعبه وبين سياسة القمع وبيع الأوهام ، وبالتالي شعبنا اليوم يريد افعال لا يريد أقوال ، فليخرج الرئيس عباس من دوامة الوهم ليترجمها إلى أمال ذو مصداقية تصلح لأن تكون واقعية تنهي تاريخه لتجعل منه رئيس شعب عظيم بدلا من أن تجرفه الأحداث إلى المجهول ويضيع التاريخ في الاشياء الصغيرة التي لا تسعد إلا العقول الأصغر!!!.