تؤدي اسرائيل نفس المسرحية كل مرة، وتستطيع أن تنجح المرة بعد الأخرى، واليوم يصدرون فكرة تعرضهم لما يسمونه بالإرهاب الفلسطيني ليصبح هو نقطة البداية بالنسبة للأحداث المقبلة، ويتناسى العالم في الأحداث المزدحمة أن التحرش بدأ اسرائيلياً في المسجد الأقصى، وفي المقابل، يبدو الإعلام العربي مترنحاً أمام المنطق الاسرائيلي، العالم لا يقتصر على العرب والاسرائيليين، ولكن مواطناً صينياً أو بلغارياً أو أرجنتينياً سيقع في الفهم الخاطئ نتيجة التلاعب الإعلامي في الربط بين استهداف صحافيي شارلي ايبدو وبين عمليات المقاومة المشروعة التي ينفذها الفلسطينيون دفاعاً عن حقوقهم.
تصر إسرائيل على تصدير توصيفات الإرهاب على الشباب الفلسطيني الذي يحاول أن يردع الهجمات الإسرائيلية على المقدسات والمحرمات، بما فيها البيوت والأحياء، وبذلك فإنها تضع نفسها في صفوف تحالفات محاربة الإرهاب بدون وجه مشروع، وتعتقد أن عملية تفردها بالفلسطينيين ستجري في ظل قناعة عالمية بأنها جزء من جهود محاربة الإرهاب، وبذلك ينشغل العالم بالصورة الكبرى والواسعة ويتغاضون على الوضع الفلسطيني باعتباره جزءاً صغيراً من صورة كلية وكبيرة.
إلى اليوم لم تنتقل أخبار فلسطين إلى مقدمة نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف، ما زالت الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط تجعلها خبراً متأخراً على أجندة الموت والخراب المفتوحة منذ سنوات في المنطقة، وربما يكون ذلك مبرراً إلى حد كبير في ظل جسامة ما تعانيه سوريا والعراق واليمن، ولكنه لا يتوافق مع الطابع الخاص للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تقوم على مبادئ غير خلافية أو جدلية، عملية احتلال غاشم ومخالف للقانون الدولي تترافق مع التوسع في المستوطنات وتكييف حياة الفلسطينيين لإجبارهم على التأقلم في شروط تناسب مزاج المستوطنين وتوفر لهم الراحة الكاملة، فالمستوطن لا يطلب الأمان في داخل مستوطنته فقط التي هي ثمرة عملية اغتصاب وقحة، ولكنه يريد أن يصول وأن يجول في مختلف المناطق الفلسطينية الخالصة التي تشكل آخر ما تبقى للفلسطينيين.
يريد المستوطن والمحتل والمغتصب أن يصل إلى حائط البراق (المبكى) دون أن يضايق نفسه برؤية الفلسطينيين، ولو كان وجودهم ضرورياً فيفضل أن يكتفوا بصناعة الشاي وبيع التذكارات للمستوطنين، والأمر نفسه ينطبق على الحرم الإبراهيمي في الخليل، فالمستوطن لا ينظر إلى الفلسطينيين إلا كمخلفات عملية استئصال جراحية أجراها المستوطنون الأوائل وعليهم أن يستكملوا تطهير مشروعهم من هذه المخلفات ليحظى بصحة أفضل وفرصة أكبر للحياة.
الإعلام العربي اليوم مطالب بمواجهة مرهقة وصعبة أمام اسرائيل التي تتواصل جيداً مع الرأي العام العالمي سواء مباشرة أو عبر وكلائها، وشبابنا على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة من يتقنون اللغات الأجنبية مطالبون بأن ينتفضوا بأضعف الإيمان موضحين الحقائق التي ترتبط بالقضية الفلسطينية وذلك من أفضل أشكال الإسناد التي يمكن أن تقدم للفلسطينيين، فالحقيقة أن نركز على أنصارنا في الغرب ونراهم مؤثرين، ولكنهم في الحقيقة قلة أمام رأي عام واسع، إن لم يكن يدين الفلسطينيين فإنه على الأقل يضعهم في نفس الميزان مع المحتلين المغتصبين.
نقطة البداية بعيدة وقديمة، ولكن في هذه الأحداث الأخيرة فإن إحراق عائلة الدوابشة من قبل المستوطنين هي نقطة الأصل التي يجب ألا تغيب عن ذهن أحد، وكل الإحداثيات اللاحقة تفاصيل أو تفسيرات أو انعكاسات، علينا أن نتشبث بها هذه المرة وأن يكون سبب الثورة واضحاً وتحت عنوان بارز وصورة ستبقى طويلاً في الذاكرة والضمير.