لا تخطئ العين الاتفاق الضمني بين حركتي فتح وحاس على إبقاء الهبّة الفلسطينية في اضيق حدودها , دون وصولها الى مرحلة الانتفاضة الشاملة او الثورة المُعلنة , فبعد مرور اسبوعين على انطلاقة الهبّة المباركة لم نسمع عن بيان واحد لاي فصيل ولم نسمع عن اطار تنظيمي يدير اعمالها ويضع لها شعارا وهدفا , والفصيلان يديران معركة اعلامية لاستثمار اللحظة وتبادل التلاوم والاتهامات , في حين ان الفصيلين قالا نفس النتيجة بعبارات مختلفة , فالرئيس الفلسطيني الذي يجمع ثلاثة مناصب يحمّل اسرائيل مسؤولية العنف الفلسطيني – لا حظوا لم يستعمل كلمة المقاومة او الانتفاضة – وحسام بدران الناطق باسم حركة حماس قال “ إن قطاع غزة لايمكن ان يتخلى عن الضفة الغربية ولا يستطيع الوقوف على الحياد،لكن القطاع لم يبرأ من جراحه اثر العدوان الاخير،وحركة حماس مشروع مقاومة غير عشوائي ولا يتعامل مع ردات الفعل، وليس المطلوب الحرب مباشرة مع الكيان الصهيوني،ولكن تبقى جميع الاحتمالات واردة، وان وقف اطلاق النار تناقشه الفصائل الفلسطينية مجتمعة . بين مصطلحي العنف والعشوائية تكمن التفاصيل التنظيمية وارتباطها بإتفاقات مباشرة اوعبر وسيط مع الكيان الصهيوني بالتهدئة , فالسلطة الفلسطينية لديها تنسيق مباشر مع دولة الكيان وحركة حماس لديها اتفاق ملزم اسمه تفاهمات القاهرة , وهذا ما يدعم نظرية الخلاف في الاصطلاح والاتفاق على الهدف النهائي بضرورة بقاء الهبة حالة فعل عشوائي حسب تصريحات حماس او ردود فعل عنيفة على سلوك الاحتلال حسب تصريحات رئيس حركة فتح , وكل ذلك مسنود بموقف عربي لعواصم الفعل او عواصم الترقب والمراقبة بضرورة الحفاظ على الحالة الفلسطينية في خانة “ اللعم “ , فقاطرة الانتفاضة التي انطلقت من باحات الاقصى ستُزيل في طريقها المصالح التنظيمية الضيقة وستكسر حالة التمزق الفلسطيني وربما تكسر حالة احتكار الفصيلين للسلطة في غزة والضفة . غياب الفصائل وخاصة الفصيلين الكبيرين يمكن ملاحظته من طبيعة الانتفاضة الجديدة وحركة الشباب والصبايا , فهي تستلهم روح الانتفاضة المباركة الاولى بكل تفاصيلها وادواتها رغم اختلاف الظروف والاحوال , حيث عاد الحجر سلاحها بالاضافة الى عمليات نوعية للمقاومة , والفارق الوحيد ان البيان الاول لم يصدر كما صدر بعد اسبوع واحد من انتفاضة الحجارة 1987وشعارها “ الحرية والاستقلال , فيما عادت الكوفيات الحمراء والسوداء وملابس الشباب المألوفة وحركة الاطفال الدؤوبة , ليس بوحي ماضوي او تأثيرات عاطفية لاستلهام الشكل الاول الجميل والبريء , بل لان الانتفاضة الاولى هي الحالة النقية التي يستند لها الشباب والصبايا في انتفاضتهم الثالثة وسط غياب الفصائل والتنظيمات , بحيث اخذت الانتفاضة الثالثة في تقليد اقرب الى النوستولوجيا – استلهام الماضي – منها الى الابتكار لادارة واقعها اليومي . الفصيلان يعرفان جيدا ان الانتفاضة الثالثة ستكون ربيعا فلسطينيا حقيقيا على صعيد الداخل الفلسطيني ومقاومة ضد الاحتلال , والربيع الفلسطيني سيكنس الفرقة والشوفينية الفصائلية وسيلغي نظام السلطتين على ارض فلسطين , فلن تبقى حماس سلطة تحكم غزة ولن تنحى فتح بقيادة الضفة بأحد اجنحتها فقط , اما شكل المقاومة الجديد او المتجدد فهو الشكل المطلوب في هذه اللحظة , بمعنى استهداف قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال , فلا حاجة لصواريخ عابرة للاشجار ولا الى تفجير الحافلات والمطاعم , لان اللحظة الدولية ستربط بين الانتفاضة والارهاب في الحالة الثانية – التفجير – او ستنحى الانتفاضة لتأخذ شكل الحرب بين جيشين كما في الحالة الاولى – الصواريخ - . الفصيلان يعاكسان حركة التاريخ وحركة الواقع الفلسطيني بدل السير معه ومع جيل ما بعد الانتفاضة الاولى الذي استلهم من الربيع العربي افضل ما فيه وربما هذا سرّ محاولة العرب والفلسطينيين ايقاف حركته ومنع تنظيمها لانها قابلة للاستساخ عربيا كنسخة ثانية او معدلة من الربيع العربي ولكن برافعة قومية وبوصلة واضحة تشير نحو القدس والتنمية والاصلاح ومحاربة الفساد والاستبداد وهذا ما كان ينقص النسخة الاولى من الربيع العربي او جيله الاول .