عِدْني ألا تموت، قالت، لكنه لم يبر بوعده! كان ثمة اتفاق بينهما، المهر طعنتان، ليس مهما أن تكونا قاتلتين، بديلهما: رجم ذو فعالية، والخيار للاعتبارات اللوجستية!. هي قصة حب كاملة الأوصاف، كغيرها، جيران، جمعتهما علاقة الأسرتين، وشيئا فشيئا نشأت بالتوازي، مع العلاقة الاجتماعية، وشائج أخرى، توطدت مع الجامعة، وتبادل المحاضرات، وحلم العودة إلى شاطىء البحر، كان يقول لها، إن البحر يمشي في دمه، لطالما سهر الليالي الطوال، يستمع إلى حكايا الصيادين، وموانىء يافا، والسفن التي كانت تأتي من مكان بعيد، لتحمل البرتقال، برتقال «يافا» كانا من الجيل الثالث، النكبة والنكسة، بالنسبة لهما، درس تاريخ، وعيون مغرورقة بالدموع، من الجدات والأجداد، حتى الآباء لم يروا «البلاد» لكن أبناءهم كانوا في شوق للعودة إليها، رغم أنهم يعيشون في جزء آخر من «البلاد» لكن مسقط رأس الجد والجدة غير!. بدأ عهد الحب بينهما كمزحة، وحكاية المهر، لم تكن غير مُلحة، لكن بعد أن صعدت صورة الفتى الجريء، الذي تمردت سكينه على قطع الملوخية، باتت القصة جادة، قالت له: ذبلتي، ثقب في رقبة أحد هؤلاء القتلة الذين يصرخون ليل نهار: الموت للعرب، لا أريد منك أن تقتله، فقط اجعل الدم الساخن، يتدفق، ويمنعه من الصراخ العتجهي، ليتك تحاول أن يكون رأس السكين موجها إلى حباله الصوتية، لا أريد أن أسمع صوته مرة أخرى، الطعنة الثانية، ليتها تعطل يده، فلا يقوى من بعد على حمل سلاح، و.. عدني ألا تموت، ابذل جهدك أن تعود لي، كان يعرف أن هذا شبه مستحيل، وهي كذلك، ولكن «اللعبة» الخطرة تحولت إلى مشروع، وبدأ العاشق بالتخطيط له، وحينما هبت انتفاضة السكاكين، وجد فيها فرصة «سانحة» ليثبت حبه، ووفاءه للشوق الدفين، للعودة للبلاد، رغم أن أمل العودة لم يكن من ذلك النوع من الأماني الناجزة، التي يمكن أن تتحقق قريبا، لكنه أراد أن يبقي شعلتها متقدة، ربما ليحملها الجيل الآتي من بعده!. كان حبا، في زمن الانتفاضة، ولكن القصة تحولت إلى أسطورة، لتدخل سجل الخلود، قصص الحب العادية تموت، من يتذكر ملايين قصص الحب التي انتهت نهاية تقليدية؟ لكن سجل التاريخ خلّد تلك القصص التي لم يحظ أصحابها بالوصل، وظل العشاق يتداولونها على سبيل التسرية، والترويح عن النفس!. أعطته سكين المطبخ، في المشهد الأخير، من آخر لقاء، تبادلا نظرتين عابرتين للزمن، لفت رأسه بالكوفية، ومضى، وكررت: عِدني ألا تموت!. عمليا، هو لم يبر بوعده، لكنه وفق منطق الأسطورة، فقد بر بوعده كما لم يبرّ عاشق من قبل، هو مات فسيولوجيا، لكنه تخلد في سجل العشاق، وتأسطرت قصته، لترويها الأجيال المتعاقبة، لتلهم العشاق، الذين يبرون بالقسم، قسم العودة، والشغف بالبحر، الذي لم يزل يبكي، شوقا للقاء محبيه!.