أخر الأخبار
العراق والحرب الطائفية
 العراق والحرب الطائفية

 

على الرغم من أن جيوش التحالف، بقيادة الولايات المتحدة التي غزت العراق عام ،2003 ودمرت دولته، وفككت جيشه، قد خرجت نهاية عام ،2011 فإن العراق لم يهدأ بعد، ولم يذق الشعب طعم الأمان . وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد ذكرت أنه عقب نزول المحتجين على الحرب إلى شوارع لندن عام ،2003 الذين تجاهلهم في ذلك الوقت توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، زاعماً أن التاريخ سيكون الحكم، وبعد مرور بضعة أعوام، حكم التاريخ على بلير حكمه العادل؛ فالبريطانيون لا يقرأون التاريخ بالطريقة التي كان يتمناها بلير، فقد أكدّ استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي أن معظم المصوّتين يعتقدون أن محتجي لندن كانوا محقين؛ لأن هذه الحرب التي قامت على مزاعم خاطئة، لم تقدم سوى إراقة الدماء . واليوم تتأكد هذه الحقائق . فهذه الحرب لم تجلب للشعب العراقي سوى الدمار والخراب، فكل يوم تشهد المدن والأحياء التظاهرات والاعتصامات، وفي كل مدينة تحدث تفجيرات وهجمات انتحارية بسيارات مفخخة أو عبوات ناسفة، ما يسفر عن وقوع مئات القتلى والجرحى . وأصبح هروب نحو ألف شخص من منسوبي “القاعدة” من سجون بغداد مؤخراً في عملية صاعقة، وقضية أمنية وسياسية ومشكلة تعني في مفهوم “القاعدة” في العراق قدرتها على أن تنفذ ماتريد، وتعني القدرة على فعل أي شيء وفرضه على أرض الواقع، وبذلك تمارس “القاعدة” الشر على الأرض والإنسان، كحقيقة قاسية على ضوء فكر ديني متطرف ومتخلف في سلسلة التطور الزمني الناتج من واقع الحرب على العراق . وكذلك تصدرت محافظة ديالى المشهد العراقي الشهر الماضي بعد أن بدأ فيها عنف طائفي غير مسبوق أدى إلى مقتل وجرح المئات وتهجير الآلاف من أماكن سكناهم على أساس خلفيات طائفية، قد تؤدي إلى اندلاع حرب طائفية شاملة في العراق .
الحكومة العراقية في بغداد تبدو عاجزة عن ضبط الأمن، ومنع القتل المجاني للشعب العراقي . وسبب هذا العجز يكمن بالدرجة الأولى في ما قام به الاحتلال السابق من تدمير المنظومة الأمنية العراقية، وإتلاف قواعد البيانات الأمنية، ما حرم الدولة العراقية الجديدة من هذه القواعد، وبالتالي حرمها من تحديد أو معرفة المجرمين، والشبكات الإجرامية الناشطة أو الكامنة فوق الأرض العراقية، إضافة إلى عجز هذه الحكومة عن بناء هذه القواعد؛ لأنها تحتاج إلى معرفة حقيقية بالسكان وأعدادهم وتوجهاتهم، كما أنها تحتاج إلى جهاز أمني قوي يمتلك الأجهزة الحديثة، والكثير من الرجال الأكفاء المدربين على كشف بؤر الإجرام، والقادرين على ضبط الأمن، يضاف إلى ذلك أن حكومة منطقة كردستان تتصرف وكأنها حكومة لدولة مستقلة، وبالتالي فإن هذه المنطقة تبدو خارجة عن سيطرة أجهزة الضبط والمتابعة العراقية، مع أن كردستان ضمن حدود العراق وجغرافيته، هذا فضلاً عن تدخل الدول الإقليمية المحيطة، وكذلك بعض الدول العربية، والمستفيد الأهم “إسرائيل” والدول الغربية التي تريد أن يبقى العراق في حالة فوضى لأطول فترة ممكنة، والهدف هو منع العراق من العودة إلى لعب دور محوري في المنطقة، ولو كان بوجه آخر وأجندة أخرى . إذاً العراق محكوم عليه بالفوضى-بيد بعض أبنائه في المقام الأول- ومحكوم عليه أن يبقى ضعيفاً، غير قادر على إعالة نفسه، وهو الذي يملك مخزوناً هائلاً من النفط .
إن قيام الأمم ونهضتها مسألة بالغة الخطورة، فهي تحتاج إلى قيادات رشيدة، تعرف كيف تسيطر في اللحظة المناسبة، وتعرف كيف تستوعب الأزمات، وتعيد تصديرها إلى الخارج، ولو كانت القيادة العراقية السابقة على درجة عالية من المسؤولية؛ لما حل بالعراق ما حل به، لكننا ورغم ذلك، لا نريد نبش الماضي، والحديث عن أمور قد تغيرت وتبدلت، لكن هذا الماضي-شئنا أم أبينا- هو الذي أوصل العراق إلى ما هو عليه الآن . ولعل الدرس الذي يجب أن يستوعبه المخلصون هو أن يجيدوا قراءة التاريخ، ويهضموا أحداثه، وخاصة التحالفات العالمية مع الدول المؤثرة، وأن يعيدوا للشعب العراقي حقوقه كاملة، وأن يعملوا على انتشال العراق من أتون الفوضى الأمنية المدمرة . قد تبدو هذه المهمة الأخيرة صعبة لكنها غير مستحيلة، فوجود الكفاءات، واستخدام التقنيات الحديثة في مراقبة الحدود والأفراد، وكيفية التعامل مع الجريمة المنظمة والإرهاب، كل ذلك قد يدفع باتجاه نشر الأمن والسلام في ربوع العراق . وعندما يحل السلام تبدأ الحياة من جديد . فالموارد التي يزخر بها العراق تؤهله؛ ليعود لوضعه الطبيعي؛ دولة غنية وكبرى كما كانت، وهو يحتاج إلى الأمن أولاً وقبل كل شيء، كما أنه يحتاج إلى تكاتف الدول العربية إلى جانبه . فالتدخل في شؤونه الداخلية من قِبل بعض الدول المحيطة يُعد أسلوباً خاطئاً؛ لأن النار إذا استمرت في بقعة من مكان؛ فإنها يقيناً إن لم تُدرك ستحرق ما يجاوره .
على العالم العربي من أجل حفظ العراق وأمنه، وحفظ المنطقة وأمنها، أن يوحد الجهود العربية، فأمن المنطقة هو الضمانة الوحيدة للقضاء على الإرهاب والتطرف، ونشر الأمن وديمومة السلام .

محمد خليفة

على الرغم من أن جيوش التحالف، بقيادة الولايات المتحدة التي غزت العراق عام ،2003 ودمرت دولته، وفككت جيشه، قد خرجت نهاية عام ،2011 فإن العراق لم يهدأ بعد، ولم يذق الشعب طعم الأمان.

وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد ذكرت أنه عقب نزول المحتجين على الحرب إلى شوارع لندن عام ،2003 الذين تجاهلهم في ذلك الوقت توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، زاعماً أن التاريخ سيكون الحكم، وبعد مرور بضعة أعوام، حكم التاريخ على بلير حكمه العادل؛ فالبريطانيون لا يقرأون التاريخ بالطريقة التي كان يتمناها بلير، فقد أكدّ استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي أن معظم المصوّتين يعتقدون أن محتجي لندن كانوا محقين؛ لأن هذه الحرب التي قامت على مزاعم خاطئة، لم تقدم سوى إراقة الدماء.

واليوم تتأكد هذه الحقائق؛ فهذه الحرب لم تجلب للشعب العراقي سوى الدمار والخراب، فكل يوم تشهد المدن والأحياء التظاهرات والاعتصامات، وفي كل مدينة تحدث تفجيرات وهجمات انتحارية بسيارات مفخخة أو عبوات ناسفة، ما يسفر عن وقوع مئات القتلى والجرحى. وأصبح هروب نحو ألف شخص من منسوبي “القاعدة” من سجون بغداد مؤخراً في عملية صاعقة، وقضية أمنية وسياسية ومشكلة تعني في مفهوم “القاعدة” في العراق قدرتها على أن تنفذ ماتريد، وتعني القدرة على فعل أي شيء وفرضه على أرض الواقع، وبذلك تمارس “القاعدة” الشر على الأرض والإنسان، كحقيقة قاسية على ضوء فكر ديني متطرف ومتخلف في سلسلة التطور الزمني الناتج من واقع الحرب على العراق.

وكذلك تصدرت محافظة ديالى المشهد العراقي الشهر الماضي بعد أن بدأ فيها عنف طائفي غير مسبوق أدى إلى مقتل وجرح المئات وتهجير الآلاف من أماكن سكناهم على أساس خلفيات طائفية، قد تؤدي إلى اندلاع حرب طائفية شاملة في العراق.

الحكومة العراقية في بغداد تبدو عاجزة عن ضبط الأمن، ومنع القتل المجاني للشعب العراقي . وسبب هذا العجز يكمن بالدرجة الأولى في ما قام به الاحتلال السابق من تدمير المنظومة الأمنية العراقية، وإتلاف قواعد البيانات الأمنية، ما حرم الدولة العراقية الجديدة من هذه القواعد، وبالتالي حرمها من تحديد أو معرفة المجرمين، والشبكات الإجرامية الناشطة أو الكامنة فوق الأرض العراقية، إضافة إلى عجز هذه الحكومة عن بناء هذه القواعد؛ لأنها تحتاج إلى معرفة حقيقية بالسكان وأعدادهم وتوجهاتهم، كما أنها تحتاج إلى جهاز أمني قوي يمتلك الأجهزة الحديثة، والكثير من الرجال الأكفاء المدربين على كشف بؤر الإجرام، والقادرين على ضبط الأمن، يضاف إلى ذلك أن حكومة منطقة كردستان تتصرف وكأنها حكومة لدولة مستقلة، وبالتالي فإن هذه المنطقة تبدو خارجة عن سيطرة أجهزة الضبط والمتابعة العراقية، مع أن كردستان ضمن حدود العراق وجغرافيته، هذا فضلاً عن تدخل الدول الإقليمية المحيطة، وكذلك بعض الدول العربية، والمستفيد الأهم “إسرائيل” والدول الغربية التي تريد أن يبقى العراق في حالة فوضى لأطول فترة ممكنة، والهدف هو منع العراق من العودة إلى لعب دور محوري في المنطقة، ولو كان بوجه آخر وأجندة أخرى . إذاً العراق محكوم عليه بالفوضى-بيد بعض أبنائه في المقام الأول- ومحكوم عليه أن يبقى ضعيفاً، غير قادر على إعالة نفسه، وهو الذي يملك مخزوناً هائلاً من النفط.

إن قيام الأمم ونهضتها مسألة بالغة الخطورة، فهي تحتاج إلى قيادات رشيدة، تعرف كيف تسيطر في اللحظة المناسبة، وتعرف كيف تستوعب الأزمات، وتعيد تصديرها إلى الخارج، ولو كانت القيادة العراقية السابقة على درجة عالية من المسؤولية؛ لما حل بالعراق ما حل به، لكننا ورغم ذلك، لا نريد نبش الماضي، والحديث عن أمور قد تغيرت وتبدلت، لكن هذا الماضي-شئنا أم أبينا- هو الذي أوصل العراق إلى ما هو عليه الآن . ولعل الدرس الذي يجب أن يستوعبه المخلصون هو أن يجيدوا قراءة التاريخ، ويهضموا أحداثه، وخاصة التحالفات العالمية مع الدول المؤثرة، وأن يعيدوا للشعب العراقي حقوقه كاملة، وأن يعملوا على انتشال العراق من أتون الفوضى الأمنية المدمرة.

قد تبدو هذه المهمة الأخيرة صعبة لكنها غير مستحيلة، فوجود الكفاءات، واستخدام التقنيات الحديثة في مراقبة الحدود والأفراد، وكيفية التعامل مع الجريمة المنظمة والإرهاب، كل ذلك قد يدفع باتجاه نشر الأمن والسلام في ربوع العراق . وعندما يحل السلام تبدأ الحياة من جديد.

فالموارد التي يزخر بها العراق تؤهله؛ ليعود لوضعه الطبيعي؛ دولة غنية وكبرى كما كانت، وهو يحتاج إلى الأمن أولاً وقبل كل شيء، كما أنه يحتاج إلى تكاتف الدول العربية إلى جانبه . فالتدخل في شؤونه الداخلية من قِبل بعض الدول المحيطة يُعد أسلوباً خاطئاً؛ لأن النار إذا استمرت في بقعة من مكان؛ فإنها يقيناً إن لم تُدرك ستحرق ما يجاوره.

على العالم العربي من أجل حفظ العراق وأمنه، وحفظ المنطقة وأمنها، أن يوحد الجهود العربية، فأمن المنطقة هو الضمانة الوحيدة للقضاء على الإرهاب والتطرف، ونشر الأمن وديمومة السلام.