بشكل مفاجئ، وفيما كان الكلام عن زيارة وزير الخارجية الاميركي، جون كيري للمنطقة، وعقده لقمة رباعية اردنية فلسطينية اسرائيلية اميركية في عمان، تنبت قمة ثنائية بمعزل عن العرب في برلين. نتنياهو الذي يزور بعد يومين المستشارة الالمانية ، اتفق مع وزير الخارجية الاميركي، الذي يزور ميلانو ومدريد وباريس، على ان يلتقيا معا في برلين نهاية الاسبوع الجاري لبحث تداعيات الوضع في فلسطين المحتلة. هل يعني هذا اللقاء اولا الغاء القمة الرباعية في عمان، ام انها محاولة اميركية اسرائيلية لصياغة موقف مشترك وموحد، بمعزل عن الاتصالات مع الفلسطينيين والاردنيين، في هذا التوقيت؟!. الامر يحتمل عدة اوجه، اولها ان كيري قد لايزور المنطقة، ثانيها انه قد يزور المنطقة بتصور جاهز تم اعتماده بالتوافق مع الاسرائيليين. ليس من مصلحة الاردن كما قيل مرارا استقبال نتنياهو ، وتوريط الاردن بصورة الوسيط او الضامن لاي اطلاقة لعملية المفاوضات، فيما هو فعليا يريد تحقيق خرق على صعيد العلاقات مع الاردن، بحيث يتم استقباله برغم كل افعاله تجاه الحرم القدسي، وخرق اخر تجاه الفلسطينيين، بحيث تتم اعادة تدوير الازمة، والهروب نحو مفاوضات بلا فائدة فعليا، من اجل غاية محددة، هي كسب الوقت، ووقف الانتفاضة او هبات الغضب في فلسطين ضد الاحتلال الاسرائيلي. ظهور نتنياهو وكيري في الحديقة الخلفية للسياسة الالمانية، يعبر ايضا عن ثنائية اميركية اسرائيلية معروفة، وليست جديدة، والواضح انهما سيقرران معا، كما العادة بوصلة المرحلة المقبلة، وهي صفعة في مغزاها للسلطة الوطنية، التي تجلس الان بانتظار مايقرره الطرفان معا، كما هي العادة. في التقييمات الاميركية انخفاض في منسوب الدقة، فما يجري في فلسطين، ليس بيد السلطة الوطنية، ولا اي طرف عربي، واطلاق المفاوضات لن يؤدي الى نتيجة كما تظن اسرائيل، لان المشكلة تكمن فعليا في فكرة الاحتلال، وليس اعراض الاحتلال من بطش واغلاقات واستيطان وغير ذلك. في التحليل هنا، صراع خفي، فنتنياهو يريد ايضا ان يقول للفلسطينيين انهم ليسوا طرفا موازيا او مساويا له، ولو كانوا كذلك، لما غير كيري برنامجه وقرر الذهاب الى المانيا للقاء نتنياهو، ومايقوله الشكل والتوقيت، ليس غريبا، فما بين واشنطن وتل ابيب، اكبر بكثير مما يظنه البعض، والجانب الفلسطيني مستضعف او تابع على المستوى الرسمي، فوق الطلاق القائم بين الرسميين هنا، والشارع الفلسطيني. اعادة تدوير الازمة هو كل مايمكن ان تفعله اسرائيل مع واشنطن، شراء الوقت، اطلاق مفاوضات جديدة، اضاعة سنين اخرى، مواصلة المشروع الاستيطاني، والسعي لاخماد اي انتفاضة لاتريدها السلطة ولا اسرائيل ولاالعرب، ولا واشنطن، ومواصلة ذات لعبة الاحتلال. يبقى السؤال الاخطر هنا: كيف يمكن لكل هذه الاطراف ان تواصل المسرحية، فيما الحرم القدسي مهدد، وهو حرم على ماهو مفترض كفيل بما هو فوق الانتفاضة بكثير. والاجابة ذاتها بمثابة محنة للاحتلال الذي يكتشف كل مرة، ان كل شيء تفعله اسرائيل قد يمر بشكل او آخر، باستثناء مايخص المسجد الاقصى والحرم القدسي، فهما شأن سماوي، لايمكن تجاوزه.