في كل دول أوروبا الشرقية, التي كانت كلها شيوعية بنسب متفاوتة إذ أن هناك فرقاً كبيراً بين اشتراكية وشيوعية تيتو واشتراكية وشيوعية نيقولاي تشاوشيسكو جرى وبسرعة استبدال برامج وأسماء الأحزاب الحاكمة, التي كانت عملياً تتبع للإتحاد السوفياتي و»تخيط بمسلته» بالنسبة لكل كبيرة وصغيرة, وهذا في حقيقة الأمر ليس عيباً إذْ أن حركة التاريخ لا تتوقف عند لحظة واحدة وإذْ أن التغيير شكلياً وجذرياً سمة أساسية للمسيرة الإنسانية في كل الكرة الأرضية.
الوحيد الذي لا يقبل التغيير, إنْ قليلاً أو كثيراً, هو المُنْزل من عند الله جلَّ شأنه وما عدا ذلك فإن حركة التطور تقتضي المراجعة باستمرار وتقتضي التلاؤم مع مستجدات العصور والمراحل المتلاحقة ولذلك فإن الأمم الحية لا تتردد في إعادة النظر بمسيراتها وبمنطلقاتها وبرامجها وأحزابها وأسمائها و»أيديولوجيات» هذه الأحزاب سواء أكانت دينية أو علمانية أو رأسمالية أو اشتراكية أو شيوعية.. فالجمود يعني التحجر والتحجر يعني الموت ويعني النهايات المأساوية.
نقرأ في بعض التعليقات على الانتخابات النيابية المصرية التي بدأت أمس الأول (السبت): «برلمان بلا إخوان» وحقيقة أنَّ: «إخوان مصر» وهم التنظيم الأم قد حكموا على أنفسهم بالموت البطيء منذ أن بقوا يتمسكون بقديمهم, سياسةً وفكراً وتنظيماً, ولم يلجأوا إلى الالتفات إلى الخلف ويراجعوا مسيرتهم الطويلة التي بدأت في عام 1928 وهذا جعلهم يقعون في أخطاء قاتلة انتقلت بحكم واقع: «التابع والمتبوع» إلى فروعهم في الوطن العربي وفي العالم كله ومن بينها فرعهم في الأردن الذي انتهى بحكم داء التحجر الذي نخر عظامه إلى هذه الأوضاع البائسة التي انتهى إليها!
إن من حق الإخوان المسلمين أن يتمسكوا بـ«تقديس», استغفر الله, حسن البنا وسيد قطب وتعليق صورتيهم كـ «تعويذتين» في رقابهم.. وجيلاً بعد جيل لكن ومع هذا وإلى جانبه فقد كان عليهم مراجعة مسيرتهم التي كانت كلها انحناءات حادة و»تكويعات» في منتهى الخطورة.. ومن بينها تبني العنف والإرهاب مرات كثيرة, سابقاً ولاحقاً والآن, وقد كان عليهم إعادة النظر باسم تنظيمهم هذا الذي إنْ هو كان يلائم مرحلة التعلق بالخلافة العثمانية الراحلة والسعي لإيجاد خليفة جديد فإنه لم يعد يلاؤم هذه المرحلة ونحن قد تجاوزنا العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ما المانع من أنْ يطلق «إخوان مصر» على حزبهم حزب الإخوان المسلمين اسم: «حزب العدالة» والتنمية «على غرار ما جرى في المغرب وتركيا وما المانع في ألَّا يبقى «الإخوانيون» المنقسمون على بعضهم بعضاً في المملكة الأردنية الهاشمية يتشاجرون ويتبادلون الشتائم والمسبات واللكمات الموجعة ويتخلون عن اسمهم القديم بعد تسوية تركة هذا «الاسم» المالية والعقارية..؟ ما المانع في أن يفكوا هذا الاشتباك بينهم وأن يبحث كل طرف عن اسم جديد يلائمه لتنتهي هذه المشكلة العالقة ويصبح التركيز على البرامج التي تجتذب الناس إليهم والتي تلائم المرحلة الحالية ولا تربطها حتى مجرد صلات القربى مع عام 1928؟!
كان الحزب الشيوعي الإيطالي أكبر الأحزاب الشيوعية خارج الاتحاد السوفياتي و»المنظومة» الاشتراكية وقد كان «مرشده» المبدع فعلاً هو أنطونيو غرامشي لكنه ما لبث أن أضمحل وتراجع مثله مثل الحزب الشيوعي الفرنسي والسبب أنه لم يستطع الخروج من اللحظة التاريخية ويتلاءم مع مستجدات المراحل اللاحقة ويدرك أنَّ الماركسية - اللينينية إنْ هي كانت مجدية حتى منتصف القرن العشرين فإنها لم تعد لا مجدية ولا مطلوبة في نهايات هذا القرن وبدايات القرن الحادي والعشرين.. وحقيقة أن هذا ينطبق على الإخوان المسلمين, في مصر وفي كل مكان, الذين يرفضون مغادرة مواقعهم القديمة مع أنه أصبحت هناك أجيال لها تطلعات ولها مطالب غير تطلعات ومطالب أجيال عام 1928 وأجيال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.