المشهد على الجبهة السورية حاد الوضوح رغم تسارع التطورات في الجو وعلى الارض . المبادرة الروسية ناشطة في الاجواء، يوازيها حراك عسكري بري سوري ينهي حالة الانتظار التي فرضها الموقف وتماسك وصمود مؤسسات الدولة في الداخل، وهي الحالة التي تقرر نهايتها ونتائجها حالة الصراع العسكري والسياسي في الداخل ايضا .
الصراع في سوريا بدأ بحراك احتجاجي تطور الى اشتباك مسلح انبأ بحرب اهلية تجاوزت الحدود السورية الى الحاضنة الاقليمية، التي تشابكت فيها المصالح وتعددت الاطراف التي سعت الى استحضار العوامل الطائفية والمذهبية بهدف توسيع دائرة الفتنة . وفي تطور دراماتيكي جديد تجاوزت الحرب في سوريا وحولها حدودها الاهلية والاقليمية ودخلت في ما يشبه الحرب العالمية، الى ان دخل سلاح الجو الروسي المعركة وغير في معادلات الصراع في سوريا، واعاده الى اطاره السياسي اللاطائفي، الذي سيفرض حتما الحل السياسي للازمة في سوريا، على قاعدة المشاركة والعدالة، في حال نجاح معادلة المصالحة بين الاطراف والاطياف والاحزاب السياسية التي لم تحتكم للسلاح، لأن المنطق يقول انه لا يوجد معارضة معتدلة مسلحة، فهذا تعبير سوريالي اميركي غير معقول .
وعلى سيرة اميركا، ارى ان الادارة الاميركية التي تراجعت خطوتين الى الوراء، بعد فشلها في محاربة تنظيم «داعش» ورفاقه في السلاح، رفضت التنسيق الكامل مع القيادة الروسية في الحرب على الارهاب واكتفت بالموافقة على تنسيق محدود يتعلق بضمان «عدم التصادم بين الطائرات الروسية والاميركية في الاجواء السورية».
وهناك من يعتقد جازما أن واشنطن بموقفها الرافض، تريد مسرورة، أن تورط روسيا في حرب طويلة تتعب اقتصادها المحاصر الخاضع الى عقوبات غربية حتى الآن، اضافة الى انها تريد أن تتمتع بمشاهدة الجيش الروسي يغرق في أتون الصراع في سوريا، على غرار ما حدث للجيش الاحمر في افغانستان، وهناك خشية من تزويد التنظيمات المسلحة المشاركة في القتال باسلحة اميركية حديثة لاستخدامها ضد الطائرات الروسية .
بالمقابل، نرى أن روسيا الواعية والكاشفة للنوايا الاميركية الساعية لأفغنة الصراع السوري، تريد حربا جوية خاطفة وسريعة لتغيير المعادلة العسكرية على الارض، وإجبار كل الاطراف المعنية الى الجلوس حول طاولة المفاوضات للتوصل الى وقف القتال والقبول بالحل السياسي للازمة .
لذلك نرى أن القصف الجوي بلغ الذروة، وطلعات الطائرات الروسية بلغت مداها، ويواكبها هجوم بري واسع على كافة الجبهات من قبل الجيش السوري في ما يشبه «عاصفة الارياف» او حرب الارياف بهدف توسيع دائرة حرية الحركة العسكرية حول المدن السورية، للحفاظ على وحدة الاراضي السورية، وبالتالي تبديد وهم التقسيم، او فرض مناطق حظر جوي او بري .
وفي النهاية لا أحد ينكر أن لروسيا مصالحها في المنطقة، وهي التي لم يتوقف حلمها بالوصول الى المياه الدافئة في الشرق الاوسط، وهو الحلم الذي تبناه القيصر بطرس الأكبر، ومن بعده الاتحاد السوفياتي، والرئيس بوتين اليوم، كما لها دورها على الصعيد الدولي، وهي بتدخلها الجوي في الصراع السوري تبعث رسائل الى كل الجهات المعنية في العالم، بأن المعادلات الدولية قد تغيرت، وأن من هنا، من دمشق، يتم اعلان تكريس ولادة العالم الجديد متعدد الاقطاب، وهو ما اشار اليه الرئيس الصيني في خطابه بدورة الامم المتحدة مؤخرا، الذي بشر بوجود نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب لا رجعة عنه.