ليس هناك تعريف حتى الان متفق علية لوصف ما يجري من احداث منذ حوالي اسبوعين . هناك من يحلو له تسميتها بانتفاضة القدس وهناك من يسميها هبة شعبية او جماهيرية، وهناك من يسميها صرخة من اجل القدس . هناك من يحرص و يبذل جهد على ان تكون سلمية ، خاصة في الضفة الغربية، وهناك من يدفع باتجاه ان تكون مفتوحة على كل الخيارات. الاسرائيليون اطلقوا عليها اسم " موجة ارهاب " دون ان يجرء احد سواء من السياسيين او الامنيين على المجازفة و اعطاء تقدير متى ستنتهي هذة الموجة ، لكنهم يجمعون على ان الامر قد يستغرق اسابيع على الاقل.
الاختلاف فلسطينيا على التسمية حتى الان، نابع من عدم الاتفاق بين القوى الفلسطينية المختلفة على الهدف المرجو من هذة الصرخة او الانتفاضة. حتى الان معظم العمليات ، ان لم يكن جميعها ، نفذها شبان و فتية ، ليس لهم اي انتماء تنظيمي ، و تحقيقات اجهزة الامن الاسرائيلية و من خلال ما حصلت عليه من معلومات مع القلائل الذين كتبت لهم الحياة قالوا ان الدافع ذاتي وهو انتصارا للقدس و الاقصى. الشكل الاخر من هذة الصرخة تصدرها طالبات و طلاب الجامعات العابرين للتنظيمات و خلافاتهم ، حيث ورغم الانتماء الفكري و السياسي لهذا التنظيم او ذاك الا ان الجزء الاكبر من هؤلاء لم يأتي الى مناطق الاحتكاك استجابة الى نداء احد .
ان اكثر ما يميز ما يجري من احداث ( حتى الان) هو ان التنظيمات من الناحية الفعلية تقف في الخلف و ليس في المقدمة كما حدث منذ بداية الانتفاضتين الاولى و الثانية . القوى الفلسطينية المختلفة ، خاصة التنظيمان الكبيران من حيث الجماهيرية حركتا فتح و حماس كل يغني على ليلاه. حماس تريد اشعال الضفه ، ووفقا للتقديرات الامنية الاسرائيلية التي تحدث عنها الاعلام الاسرائيلي تدفع باتجاه تنفيذ عمليات عسكرية ، خاصة ضد المستوطنين ، على نمط عملية بيت فوريك قبل ثلاثة اسابيع، و في نفس الوقت تحرص على عدم زج غزة بصواريخها و مقاتليها في معركة قد تكون مكلفة جدا، حيث لا الناس في غزة قادرين على تحمل نتائجها حيث ما زالوا ينزفون من الثلاث حروب الاخيرة و لا فصائل المقاومة ترغب في هذه المواجهه، و الاهم من ذلك ، وهذا سبب وجيه وهو ان الانظار يجب ان تبقى متجهة صوب الضفة بشكل عام و القدس و الاقصى بشكل خاص.
اما حركة فتح الممثلة بالرئيس عباس و اللجنة المركزية تحرص على ان تبقى الانتفاضة في اطار المقاومة الشعبية السلمية، للكثير من الاعتبارات اهمها ان المقاومة الشعبية السلمية تضمن للفلسطينيين الاستمرار في البقاء كضحايا للاحتلال. على الرغم من ذلك ، شبيبة حركة فتح و كوادرها و جماهيرها هي جزء فاعل في المواجهات السلمية ، خاصة في القدس و رام الله، حيث يشكل طلبة الجامعات المحرك الفاعل لهذه الاحتكاكات. هذا على الرغم من عدم الوضوح لدى الغالبية المعظمى من فهم ما هو المقصود بالمقاومة الشعبية السلمية. ما هو المسموح القيام به و لا يعتبر عنف، و ما هو الذي يجب الابتعاد عنه . هل الذهاب الى الحواجز و الاحتكاك مع قوات الجيش و المستوطنين هي جزء من المقاومة الشعبية السلمية على سبيل المثال؟ هل رجم المستوطنين وقوات الاحتلال جزء من المقاومه الشعبية؟
اسرائيل التي تراقب ما يجري و تحاول ايجاد حلول و تتخذ اجراءات تعبر عن هستيريا او صدمه . من ناحية تنظر بايجابية لعدم تصدر التنظيمات واجهة الاحداث حيث هذا ما يفسر عدم الاستجابة للنداءات لجمعة الغضب كما كان متوقعا. و لذلك اسرائيل تحاول ان لا تصعب المهمة سواء على السلطة في الضفة او حماس في غزة. في الضفة (حتى الان)لم تتخذ اجراءات معروفه مثل اغلاق طرق و فرض اغلاق شامل و عدم ادخال عمال ...الخ من العقوبات الجماعية، و في غزة يصل الشبان الى بوابات معبر بيت حانون و تخطى العشرات الحدود و تم تخريب اجزاء من السياج الامني و على الرغم من ذلك عدد الشهداء و الجرحى كان بالامكان ان يكون اكبر من ذلك بكثير ، لكن الرغبة المشتركة الضمنية بعدم التصعيد في غزة هي التي تجعل الامور لا ينفلت عقالها. قد يكون موقف الجهاد و بقية الفصائل اكثر تشددا و اقل خشية من التصعيد في غزة ،و لكن حتى الان الجميع ملتزم بالخط العام و هو عدم التصعيد.
من الناحية الاخرى عدم تصدر التنظيمات للواجهة ، خلق مشكلة جديدة للاسرائيليين ، حيث تقف الاجهزة الامنية عاجزة امام اطفال و شبان لا يبوحون بسرهم لاحد و لا ينتظرون قرارا او تعليمات او توجيهات من احد ، يخرج من البيت وقد لا يكون هو او هي بانفسهم يعرفون ماذا سيفعلون وفي لحظة او قبل ساعه يقررون مهاجمة الاسرائيليين. نائب رئيس الشاباك السابق اسرائيل حسون في رد على سؤال كيف يمكن للشاباك مواجهة ذلك اجاب بانه لا يوجد جهاز امن في العالم يمكن ان يكتشف و يحبط مخطط لطفل عمرة اربعة عشر عاما و يتفق مع طفل اخر عمرة ثلاثة عشر عاما و يقرروا طعن اسرائيليين. نتنياهو وحكومتة اليمينية الذين يوجهون رسائلهم الخارجية على ان التحريض الفلسطيني و خاصة تحريض السلطة هو السبب في تدهور الاوضاع لكن الجدل الداخلي الاسرائيلي غير ذلك تماما. الاحداث الاخيرة بددت الكثير من الاوهام لدى الاسرائيليين. اهم هذة الاوهام التي تبددت حتى الان هو ان المعركة حول القدس قد حسمت من قبل الاسرائيليين، و انها ستبقى موحدة الى الابد و لم يعد هناك شيء اسمه قدس شرقية. ليكتشفوا ان كل سياساتهم و اجراءاتهم على مدار العقود الاخيرة لم تغير من واقع الامر شيء، و ان الاستطلاع الذي اجري مؤخرا حول ما يجري هو ان اكثر من 70% من الاسرائيليين يريدون الانفصال عن القدس الشرقية وعن الفلسطينيين . وضع الحواجز و حصار احياء القدس الشرقية و خنق الناس هناك هو تسليم بواقع حاولت اسرائيل تجاهله ان القدس لم تكن يوما موحدة و ان مصيرها ان تعود للفلسطينيين.
الوهم الثاني الذي تبدد هو ما حاول نتنياهو و اليمين اقناع الاسرائيليين انهم يستطيعوا ان يفعلوا ما يريدون دون ان تكون هناك ردود فعل من الفلسطينيين وان بامكانهم الاستمرار في السيطرة على الوضع دون تقديم تنازلات و دون ان يحصل الفلسطينيين على حريتهم و استقلالهم.
الوهم الثالث الذي تبدد ان نتنياهو الذي انتخب لاربع مرات كرئيس للوزراء بصفته الاقدر على التعامل مع القضايا الامنية ، يقف الان عاجزا عن توفير الامن الشخصي لهم و ان الشوارع قد اصبحت خالية بعد ان فقد الاسرائيلي ثقتة بأمنه الشخصي و فقد ثقتة في قدرة نتنياهو على توفير الامن لهم. لا احد يريد ان يستمع الى الشعارات التي اتضح انها جوفاء حول "القدس الموحدة لللابد" و عدم الانفصال عن الفلسطينيين . اخر استطلاع للرأي اجري امس يفيد ان 72% من الاسرائيليين غير راضين عن اداء نتنياهو . حيث القناعه لدى غالبية الاسرائيليين ان كل ما اتخذ من اجراءات مؤخرا هو فقط هدفها منحهم الشعور بلامان و لكنها لن تنجح في توفير الامن الحقيقي لهم.
و الوهم الرابع الذي سيصل له غالبية الاسرائيليين ان دوام الاحتلال من المحال ، وان لم تنتصر العقلانية و البرغماتية سينتصر التطرف و الدم .