أخر الأخبار
هبة الغضب.. والواقع الجديد
هبة الغضب.. والواقع الجديد

شاهدت يوم امس صورة لرئيس حكومة اليمين في اسرائيل نتنياهو وهو ينظر الى الحدود مع غزة المحاصرة عبر منظار مغلق، أي انه نسي الكشف عن عدستي المنظار ليرى بوضوح. وهذه الصورة تمثل الواقع، فرئيس الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل، اصبح اعمى البصر والبصيرة، او انه لا يريد ان يرى الحقيقة بوضوح، فهو يريد حجب الشمس بالغربال، عندما يردد امام وسائل الاعلام بأن الشعب الفلسطيني الاعزل يسعى الى تدمير اسرائيل، بهدف تغطية جرائم جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، بعدما حولّهم الى فرق اعدام ميدانية بحماية قانونية تحت عنوان «تحييد المشتبه بهم».
الحقيقة ان الهبة الفلسطينية الجديدة الراهنة الغاضبة تحمل السخط الذي يعجز الاخرون عن فهمه. فهذه الهبة حققت ما عجزت السلطة الفلسطينية عن تحقيقه منذ اتفاق اوسلو. هذه الهبة بدمها، كشفت في وضح النهار وامام عدسات التصوير، عن آخر احتلال في الكرة الارضية مسكوت عنه، يمارس كل اشكال العنف والارهاب ضد الشعب الفلسطيني، ويمنع قيام الدولة الوطنية، ويعارض منح الشعب الواقع تحت الاحتلال حق تقرير المصير.
هذه الهبة هي الامتحان الاصعب الذي واجهه نتنياهو وسقط فيه، وهي التي فجرت الخلافات داخل الحكومة، وداخل المجتمع الاسرائيلي المتطرف بمجمله والذي فقد قيمه الانسانية والاخلاقية بصمته على الجرائم او مشاركته بها، وهي الصورة التي كشفت عن قناعاته بفلسفة القتل والعنف والارهاب المستمدة من مزاعم نظرية الحاجة الضرورية لبقاء اسرائيل.
وهذه الهبة الغاضبة هي وحدها القادرة على ايقاظ الشرعية الدولية من غيبوبتها، وايقاظ الضمير العالمي من غفوته. فهذا الحراك الدولي الراهن هو نتاج هذه الهبة والحراك الذي نراه ينطلق من الامم المتحدة ومقار وزارات الخارجية للدول الغربية واميركا في المقدمة، من اجل «التهدئة وضبط النفس»، او من اجل القاء طوق النجاة لحكومة نتنياهو، او الحديث عن تسويات غير جذرية، لأنهم يدركون أن الاحتلال، بكل ملحقاته، هو سبب الازمة المباشر والدائم.
الكل يعرف الحقيقة، والكل أصبح على قناعة اليوم، بأن المسكنات ليست الحل، لأن الامور لن تعد الى سابق عهدها، هناك قناعات وحقائق جديدة تجسدت على ارض الواقع، وهذه الحقائق ولدّت قناعات لدى العالم، وحتى لدى الاسرائيليين، بأن العنف والقتل والارهاب واقامة المزيد من الحواجز الامنية وبناء الاسوار والجدران لن يحقق الامن لاسرائيل، بل يقودها الى المزيد من الكراهية والعزلة، وبالتالي وضع قادتها في الحكومة والمعارضة امام خيارين: «اما دولة ثنائية لا يرضى بها الاسرائيليون، واما دولة فلسطينية مستقلة تغضب الاسرائيليين».
واذا كان الاقصى هو منبع انتفاضات الغضب، فالقدس هي عقدة الحل، ولكن الهبة الراهنة هي التي بدأت ترسم حدود الحل الذي لا بد منه في النهاية.. كيف ؟
الهبة، بوسائلها الغضب والحجر والسكين والدهس، والتي انطلقت من الاقصى الى شوارع واحياء القدس العربية المحتلة، وبعدها انتقلت الى كل فلسطين التاريخية من الناقورة الى رفح، احيت عقدة الخوف من الازمة الوجودية التي يعاني منها الاسرائيليون، وهي الحالة التي قادت الحكومة والمجتمع المتطرف في اسرائيل الى حالة من الهستيريا، وحولت الجيش والمستوطنين الى فرق اعدام، وهي الحالة الت ي قادتهم ايضا الى اعادة تقسيم القدس بحواجز اسمنتية للفصل بين الاحياء العربية واليهودية، وهو الفصل الذي يلغي عمليا مزاعم ضم القدس.
هذا الواقع الجديد اثار غضب واستنكار الاحزاب المشاركة في الحكومة والمعارضة لها ايضا. واللافت ان الهبة اجبرت الاسرائيليين على وقف النشاط الاستيطاني، وحققت عمليات فرز على الارض، اي انها حققت ما عجزت عنه اتفاقية اوسلو البائسة. الهبة خلقت واقعا جديدا يؤكد ان حكومة نتنياهو قد خسرت الرهان، وأن لا أمن لاسرائيل الا القبول بحل سلمي عادل كامل ينهي الصراع ويحقق السلام الشامل.