من حقنا في هذا البلد الصامد كل هذا الصمود, الذي نسأل الله أن يديمه ونطالب الأردنيين بأن يحافظوا عليه ويضعوه في حدقات عيونهم, أن نرفع هامتنا عالياً عندما نرى وبألم وحسرة أنَّ أشقاءنا في دول عربية قريبة وبعيدة يغرقون في الدماء والدمار حتى أعناقهم بينما ننشغل نحن بكل هذا الجدل وبكل هذه المناكفات, الجميلة والمحببة على أي حال, حول قانون الانتخابات النيابية الجديد وحول المركزية واللا مركزية وحول ما يجري عند إخواننا وأهلنا في الضفة الغربية وفي فلسطين بصورة عامة .
لا شك في أن قلوبنا في هذا البلد العروبي, الذي تأسس كإنجاز قومي في فترة تاريخية في غاية الصعوبة, تتفطر ونحن نرى ما حلَّ بالشعب السوري الشقيق وكيف تقطعت به السبل وأصبح إمَّا مطارد ومشرد في وطنه أو تائه بين أمواج بحور الظلمات أو يقف أطفاله وأبناؤه على حدود الدول القريبة والبعيدة وكالأيتام على موائد اللئام .
إنه لا شك في هذا كما أنه لا شك في أن وجع عراق المجد والتاريخ العظيم وشعبه المبدع يوجع كل أردني وهذا ينطبق على ليبيا التي أعزها الله في أن تخلصت من اسم: «الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العربية العظمى» كما ينطبق على اليمن, الذي كان سعيداً ذات يوم والذي سيعود سعيداً بإذن العلي القدير, وعلى الصومال.. هل تذكرون الصومال.. وزياد بري الذي جعلته مهازل الألاعيب السياسية يتحول إلى ماركسِّي - لينيني وينحاز إلى المعسكر الشرقي قبل أن يرتد مرة أخرى ويتجه نحو الغرب «الامبريالي» قبل أن يختفي من حياة الصوماليين ولم يعد هناك من يذكره لا بخير ولا بشر .
لكن, ومع أن ما ضاعف أوجاعنا هو أن الذين اسقطوا شعار: «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة» قد فردوا عمامة الولي الفقيه فوق سوريا وفوق عاصمة الأمويين وقد فتحوا قلب العروبة النابض للجيوش والميليشيات الغريبة, فإنه يحق لنا أن نبقى نحمد الله آناء وأطراف النهار على هذا الاستقرار الذي يعيشه بلدنا وعلى هذا الدور المميز الذي يلعبه عربياً ودولياً وعلى أن الأردنيين المحاط وطنهم بالنيران من كل جانب لديهم ترف «التناكف» وترف «الشغب» المحبب وترف مهاجمة الحكومة.. وعلى الطالع والنازل وترف الاعتراض على البرامج التلفزيونية والتساؤل عن جدوى: المحطة التلفزيونية «المستقلة»! والتي نتمنى ونسأل الله ألا تكون «مُستغلِّة» !
وحقيقة وهذا يجب أن نقوله لبناتنا وأبنائنا, وبخاصة الذين هم في أعمار الورود, إن هذه النعمة التي ننعم بها ليست طارئة ولا هي مستجدة وجديدة.. إنها إنتاج وإنجاز مسيرة طويلة كانت بدأت في بدايات عشرينات القرن الماضي وتواصلت في مسارٍ تصاعدي رغم عواصف خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي.. ربما أن بناتنا وأبنائنا لا يعرفون أن بلدنا الجميل هذا لم يعرف ولو إعداماً سياسياً واحداً وحتى عندما كانت الإعدامات السياسية في الدول التي رفعت شعار: «وحدة حرية اشتراكية» تتم بـ «الوجبات» .
هناك حكمة تقول: «زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون» وحقيقة أن من يزرع وروداً ورياحيناً يحصد وروداً ورياحيناً وأن من يزرع عوسجاً ومُرَّاراً لا يحصد إلَّا عوسجاً ومُرَّاراً ولذلك ولأن الآباء والأجداد على صعيد (الحاكم) و(المحكوم) في هذا البلد قد ربوا الأجيال الصاعدة على المحبة وعلى التسامح والابتعاد عن العنف.. فها نحن ننعم الآن بكل هذا النعيم الذي ننعم به بينما أشقاؤنا في بعض الدول القريبة والبعيدة يحصدون ما زرعته الانقلابات العسكرية وما تأسس على وجبات الإعدام المتلاحقة وعلى تشييد سجون ومعتقلات أكثر من تشييد رياض الأطفال والمدارس.
وهكذا فإنه ضروري جداً أنْ نتناكف وأيضاً أن نتشاجر كلامياً وأن نختلف على قانون الانتخابات.. والمركزية واللامركزية ما دام أننا نملك ترف المناكفات والشجار السلمي والاختلاف.. إنه يجب ما دام أننا نعيش حالة الرخاء والاسترخاء هذه أن نطرد السأم عن أنفسنا بـ «التحرش» بالحكومة وبأي حكومة.. لكن وفي كل الأحوال فإنه علينا أن نضع الأردن.. كلنا.. كلنا وبدون استثناء في حدقات العيون.. وعلينا أن نضع قيادته.. نعم قيادته في سويداء القلوب .