الأمر المهمّ أن يتمّ التفكير بالأفق السياسي، للنتائج المتوقّعة لموجة المقاومة الجديدة للاحتلال الإسرائيلي، لا أن تمرّ هذه الموجة كعاصفة عابرة، ويضاف إلى سجل الكفاح الفلسطيني عدد آخر من الضحايا. وينتهي الأمر بنجاح الوزير الاميركي كيري، بإعادة الطرفين الى دائرة المفاوضات المفرغة، وهي جهود استبقها نتنياهو بمفاجأة مثيرة للسخرية، بقوله قبل أيام « أن هتلر لم يكن يريد إبادة اليهود، وأن من أقنعه بحرقهم هو الحاج أمين الحسيني»،رغم ان الحركة الصهيونية دأبت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، على ابتزاز الغرب وبالذات ألمانيا بحكاية» المحرقة»،وهذا نتنياهو يريد اليوم تحميل الفلسطينيين مسؤوليتها.
جيل أوسلو هو المحرك الرئيس لموجة المقاومة الجديدة، وهو ضحية النتائج الكارثية لهذا الاتفاق، وغالبية هؤلاء غير مؤطّرين ضمن الفصائل السياسية، ويتحركون في مقاومتهم للمستوطنين وقوات الاحتلال بمبادرات فردية، أو بتنسيق محدود ضمن جماعات صغيرة، فهو جيل متحمس يرسم بالدماء» خارطة طريق» جديدة للمقاومة، وعليه فمن الصعب أن يستجيب هذا الجيل، لأي مطالبات من قيادة السلطة أو الفصائل لتحقيق تهدئة مجانية، تقدم هدية لحكومة نتنياهو بلا نتائج لصالح الفلسطينيين، حتى سلطة عباس تجد نفسها في مأزق وحالة ارتباك، فهي تواصل التزامها بالاتفاقات الأمنية مع العدو، وتواجه الإحراج أمام شعبها، وتكتفي بإطلاق تصريحات وتهديدات كلامية، والخشية أن تدفع تحت ضغوط أمريكية وإسرائيلية، لملاحقة النشطاء أمنيًا وبذلك تقدم خدمة إضافية لحكومة نتنياهو ! والمشكلة المستعصية هي الانقسام الفلسطيني، الذي يشكّل عنصر الضعف الأساسي في مواجهة العدو، وفي التحرك السياسي الخارجي.
أحد الخيارات التي يتم الحديث عنها، هو إعلان فلسطين «دولة تحت الاحتلال» على حدود 1967 التي يعترف بها نحو 130 دولة، وبالتالي إلقاء الكرة في وجه حكومة نتنياهو، وتحميلها مسؤوليات سلطة الاحتلال، وذلك يتطلب وقف التنسيق الأمني الذي يخدم اسرائيل، ومثل هذا الخيار يرسخ عدم أحقية اسرائيل بأي جزء من الأرض المحتلة عام 1967، لكن لذلك محاذير أيضا يفرضها اتفاق أوسلو المليء بالألغام، أحدها تهديد اسرائيل بوقف التحويلات المالية وهي حق للسلطة الفلسطينية ! فضلا عن عدم وضوح الرؤية لدى السلطة الفلسطينية، لما تريده فعلا !
يكتفي العرب بإصدار بيانات الشجب والإدانة للإرهاب الصهيوني، وتنظيم مسيرات واعتصامات احتجاجية، وإقامة الندوات والمهرجانات الخطابية التضامنية مع الشعب الفلسطيني!، والتغني بالبطولات الفردية والجماعية، التي يقوم بها الفلسطينيون في القدس والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ويتم نشر صور تلك البطولات والتعليق عليها، على الفيسبوك وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، والحكومات العربية تشارك في «الحرب على الإرهاب»، لكن ذلك لا يطال إسرائيل فهي «خط أحمر»، رغم أنها دولة إرهابية بامتياز، والسبب أن الولايات المتحدة، هي الداعم والراعي الأول للإرهاب الاسرائيلي.
وإمعانًا في استهتار الإدارة الأمريكيّة بالقضية الفلسطينية، فهي تبيع الفلسطينيين كلامًا، وتعتبر ما يجري في الأراضي المحتلة،» تصعيدًا للعنف «وتساوي بين المجرم والضحية وتدعو الطرفين للتهدئة، وبموازاة ذلك فقد استأنفت واشنطن المحادثات مع تل أبيب، بشأن «المساعدات الدفاعية» لإسرائيل، بعد أن علقها نتنياهو احتجاجًا على الاتفاق النووي مع إيران، وهي لعبة يجيدها نتنياهو الذي استثمر الاتفاق النووي، لابتزاز الدول الغربية والحصول على مزيد من المساعدات، بذريعة أن الاتفاق لا يكبح طموحات إيران النووية، وأن الخطر لا يزال محدقًا بوجود إسرائيل، وهذه كذبة كبيرة.. حتى إيران نفسها غير معنيّة بتهديد إسرائيل، ومشروعها التوسعي يستهدف محيطها العربي أولًا وأخيرًا.
المحادثات العسكرية الجديدة، تهدف الى زيادة المنح الأمريكية لإسرائيل من 3 مليارات دولار سنويًا، لتصبح بين « 3.6 مليار إلى 3.7 مليار دولار سنويًا» ولمدة عشر سنوات مقبلة، تحت عنوان «التصدي للتحديات الضخمة، التي تواجهها إسرائيل الآن في المنطقة»، وهذا لا يعني إيران فقط، بل أن تل أبيب تستثمر ما يجري في العالم العربي من جنون، فهي تتلقى المساعدات من أمريكا، وتنسق عسكريًا مع روسيا بشأن الوضع في سوريا، وتمعن في القتل والتنكيل بالفلسطينيين!.