الأردن لم يكن طرفا في الصراع السوري، ولن يكون، ولكن معركة سوريا فرضت عليه من باب الجغرافيا السياسية، والتحركات الإرهابية التي من الممكن أن تنقلب الى الخارج في أي لحظة، وعلى الرغم من التعقيدات الجيوسياسية وموجات اللجوء الضخمة التي أربكت الديموغرافيا الأردنية من قبل الداخل السوري، فإن الجيش الأردني بقي محافظا على حدوده، خطوة واحدة داخل الأراضي الأردنية، ولم يشترك في أي اشتباك مما وقع قرب حدوده بين الفصائل المعارضة والغازية والجيشان النظامي والحرّ، بل كان جيش إنقاذ لما يزيد عن مليون ونصف لاجئ، ولم يسمح لفرد منه وطء الأراضي السورية.
ولكن الأمور باتت أكثر تعقيدا، والفوضى أكثر تهديدا داخل الأطراف السورية، فدرعا على مرمى حجر من الرمثا، فيما التشابك القروي في البادية الشرقية أقرب من ذراع، والجماعات المقاتلة تزداد تحركا، والجيش النظامي منشغل في مناطق بعيدة، ومع هذا حافظ الأردن على حالة النفس الطويل للتعامل مع الأزمة السورية التي دفع الأردن ثمنها غاليا جدا، إقتصاديا وسياسيا، وها قد عادت جميع أطراف « الوصاية الدولية» على سوريا لتراجع خياراتها وخططها لشكل سوريا الجديدة، خصوصا بعد دخول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى حلبة الصراع بقوة، وإرسال قوات جوية وعسكرية وبحرية الى هناك لدعم النظام ومحاربة ما يسميها الجماعات الإرهابية دون تخصيص ولا تفرقة، وبالتأكيد لم تتحرك موسكو إلا بعد الإتفاق مع الدول المعنية بالصراع السوري.
إذا ما الهدف من المحور الأردني الروسي ؟ الإجابة واضحة عقب تحول المملكة العربية السعودية عن الأمريكان الى الجناح الروسي نتيجة سياسة التلكؤ التي اتبعتها الإدارة الأمريكية لمعالجة التهديدات الإرهابية لبعض الجماعات وحالة التدمير من قبل جيش النظام والمليشيات الشيعية المستوردة للقتال الى صفه، والرؤية غير الشمولية للدول العربية فيما يتعلق بالتهديد الداخلي بسوريا، وعجز المعارضة عن الخروج بكيان بديل عن النظام، حتى بات المشهد كمن يستمتع بعرض لمصارعة الثيران ليس أكثر، وهذا ما دفع الأردن الى القبول بأن يتابع جهوده لمكافحة خطر الإرهاب في سوريا، والتحرك الوقائي لمعالجة أي هجرة معاكسة لعناصر غير مرغوب بها عبر أو الى الأراضي الأردنية من خلال تأمين الحدود السورية الداخلية الجنوبية والشرقية، الفاصلة للحدود الأردنية، والحفاظ على بنية الدولة والأرض السورية، وتغليب الفكرة الأساسية: اقتل الخطر في أرضه قبل أن تقاتله على أرضك.
خمس سنوات ولا تزال الأرض السورية مسرحا للقتال والتدمير والتهجير من قبل مختلف الجيوش والفصائل والجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية الموالية لقطبي الصراع في سوريا، والجميع متمترس خلف قناعاته ورغباته، والجميع يقاتل ويكفرّ الخصوم ويستبيح المدن والقرى بلا وعي، وهجرّ ملايين السوريين عن أرضهم وبيوتهم ليدفعوا ثمنا باهضا لنزعات وجنون الأطراف المتنازعة، والجماعات الوافدة، ومع هذا ليس هناك أي حلّ ينهي الصراع، ويفتح نافذة الهواء ليتنفس الشعب، في صورة بقاء النظام أو بدونه.
على الأردن أن يعتمد على حلفاء أقوياء، يمتلكون الرؤية لاستشراف المستقبل ولديهم الإرادة لاتخاذ القرار وتنفيذ المهام بقوة دون العودة للإستشارات والتريث حتى تقع الفأس بالرأس، وهذا ما شهدناه في الماضي، فلا أحد يريد أن يتدخل مباشرة، الجميع يريد من الأردن أن يكون رأس حربة دون شرح أو فهم لأبعاد الحساسية والوضع المزدوج بين سوريا الدولة والأردن، فالأمريكيون لم يكونوا جادين في الحرب على داعش، وروسيا دخلت بقوتها دون معارضة من أحد، ويجب أن لا يترك المجال لإيران أن تكون وحدها الشريك مع روسيا لتحقيق مصالحها الذاتية، ونحن خارج اللعبة.
الحرب ليس فيها عواطف ولا خطط لتأخير الحصاد مهما كانت النتائج، فأما أن تكون فاعلا أو مفعولا به، وعلى الأردن أن يستفيد من هذه الشراكة لتحقيق أهداف الأمن والإستقرار على حدودنا وفي سوريا الموحدة، وفرض نفسه في الإقليم، فليس هناك ترف لتضييع الفرص، فهل هناك شيء آخر؟ لا ندري.