يحظى دارس التاريخ والباحث فيه بالرؤية المباشرة التي تمده باليقين أو بما يشبه اليقين ، ذلك أن الوثيقة تسند الحجة ، وهو ما يعتمده المؤرخ في دراساته ويجعله يقف على أرض صلبة ، وعندما تعلو نبرة الإعلام وتطغى أحيانا لا بد لمن يملك إمكانية الاطلاع على الوثيقة أن يتشارك فيها مع القارئ ويقدمها خارج إطار الضجيج الإعلامي وآلته التي تطال يده هذه الأيام كل العالم بكبسة زر ، فعندما نقول أن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس لها جذورها ومبرراتها نستند إلى الوثائق التي يحتفظ فيها المقادسة ونحتفظ فيها هنا في الأردن ، فقبل تسعين عاما وبالتحديد عام 1924 م أصدر المجلس الإسلامي الأعلى بلاغا للمسلمين في أقطار الأرض قاطبة وتحديدا في 16 ربيع الثاني من عام 1343 هـ / 1924 م بتوقيع أحمد الشريف السنوسي حثهم فيه على التبرع لاعمار المسجد الأقصى قائلا : ( ..إن المسجد الأقصى المبارك في حاجة شديدة إلى الترميم والعمارة فبادروا يرحمكم الله إلى الإنفاق في سبيل عمارته ، وسارعوا إلى يد مد الإغاثة إليه لتغنموا من الله جزيل الثواب .. ) وتحمل الوثائق تفاصيل التبرعات والإعانات بالأرقام والأسماء ، ففي شهر تشرين الأول من عام 1924 م وصل من صاحب الجلالة الحسين بن علي الخليفة الأعظم مبلغ ( 26677 جنيه و20 مليما ، في حين وصل من تركيا 25 جنيه و 990 مليما ( ..! ) ووصل من مصر 145 جنيها و 325 مليما ومن العراق 5348 جنيها و 750 مليما وكانت الهند هي الجهة الداعمة من مسلمي الهند من الحجاج كما وصلت إعانات من أهالي الكويت والبحرين والمحمرة ومن حماة وبعض البلاد السورية وساهم في الحملة بعض المهاجرين إلى أمريكا بمبلغ 40 جنيها و 510 مليما ، وقد رفع المجلس الأعلى تفاصيل إنفاق هذه التبرعات بكتاب رسمي موقع من رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين إلى صاحب السمو الأمير عبد الله في 15 تشرين الثاني 1924 م هذا نصه : ( حضرة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله المعظم نتبع كتابنا هذا لسموكم العالي جدولين يتضمنان الدخل والخرج لعمارة المسجد الأقصى في شهري أيلول وتشرين الأول سنة 1924 م مع قائمة أخرى تتضمن إجمال الواردات لغاية تشرين الأول 1924 م وفيها موارد الإعانات المذكورة على وجه التفصيل وبهذه المناسبة نرفع لسموكم واجب الإجلال والاحترام ) ومثل هذه الوثائق الكثيرة التي نطلع عليها ونقرأ فيها الوصاية الهاشمية المعروفة منذ أكثر من تسعين عاما ، وموقف الشريف ( الخليفة آنذاك ) السخي لاعمار المسجد الأقصى ، وخطاب المجلس الإسلامي الأعلى المباشر للأمير عبد الله باعتباره الممثل لوالده في متابعة عملية الاعمار التي تولاها الهاشميون تباعا وما زالوا انطلاقا من وصايتهم المعنوية والمادية على أقدس المقدسات في القدس الشريف ، وربما كنا بحاجة الآن للكلمة المتزنة المدعومة بالوثيقة لنقول بأن هذه الوصاية التاريخية تصون المقدسات وتدعمها ماديا ومعنويا ، وأن نبرة الإعلام لا توفر للأقصى الحماية في زمن سطوة القوة الإسرائيلية وتغولها على أهالي القدس الذين يلوذون بالأقصى ويحتمون فيه من بشاعة الآلة العسكرية ، وأقول أخيرا لا بد من حضور الوثيقة التي تحمل الحقيقة والقول الفصل ، حمى الله القدس وأهاليها ومقدساتها التي دافع عنها الجيش العربي بدمائه وصانها بلا حدود