أخر الأخبار
أتركيا جديدة ؟ أو.. هل يتغير أردوغان؟
أتركيا جديدة ؟ أو.. هل يتغير أردوغان؟

قالت الصناديق كلمتها, لكن ما افرزته انتخابات الاول من تشرين الثاني 2015، سيبقى محور التحليلات والتعليقات والمتابعات، ليس فقط لأن نصف الشعب التركي (الناخبون منهم) اعادوا تفويض حزب العدالة والتنمية لسنوات اربع مقبلات، بعد ان كانوا قد سحبوا تفويضاً «منفردا» كالذي حدث يوم اول من امس, وانما ايضاً لأن ما جرى خالف كل التوقعات واستطلاعات الرأي وشكل مفاجأة حتى لزعيم حزب العدالة احمد داود اوغلو، الذي كان مستقبله السياسي على حافة الهاوية، وكان يُدرك في قرارة نفسه، ان الزعيم «الأوحد» اردوغان لن يتردد في التضحية به، ما بالك انه يَقِل مكانة ودوراً واهمية عن كل من الرئيس السابق عبدالله غل والشريك في الانشقاق الشهير عن الأب الروحي نجم الدين اربكان، بعد ان جنحت سفينته او غرقت (لا فرق)، كذلك حال بولند ارينتش الذي كان نائباً لاردوغان نفسه عندما كان الاخير يرأس حكومة حزب العدالة قبل ان يُنافس على منصب الرئاسة ويُنحي عبدالله غل عن الحزب الذي اسّساه معاً.
ما علينا..
للمرء ان يقول ما يشاء، وان ينتقي من مشهد الاول من تشرين الثاني التركي... ما يروق له، وخصوصاً اذا كان من مؤيدي اردوغان ومِن المُعجبين بتجربته والهالة المُبالغ فيها (حتى لا نقول المُصطنعة)، التي يُضفيها هؤلاء على شخصيته، وبخاصة ان مِنهم من يَخْلع عليه لقب «الخليفة» ويؤهله لدور «اسلاموي» اكبر من ان يصنعه او ينهض به، ما بالك انه غير راغب في ذلك وليس بمقدوره فعل ذلك ايضاً, وهو الذي وصف حزبه بأنه حزب غير اسلامي، وان عضويته في حلف الاطلسي ضمانة لأمن تركيا، وان تأكيده على «اوروبية» تركيا هو النقيض لمساره الاسلاموي، الذي يتخفى في عباءته، من اجل اهداف سياسية واقتصادية واطماع هيمنة في بلاد العرب عبر البوابة السورية، ولهذا لم - ولن - يتورع عن تدمير سوريا وتقسيمها (مشروعه لفرض المنطقة الآمنة او العازلة هو جزء من مشروع التقسيم) والولوج الى المنطقة العربية بما هي - وكما قال حرفياً - جزء من الإرث العثماني الذي تملك تركيا حق استرداده..
كذلك، فان الوعود التي اطلقها احمد داود اوغلو تجاه الداخل التركي واعترافه بأن حكومته اخطأت في بعض الملفات، لن تجد طريقها الى الترجمة ميدانيا، وخصوصاً من الرجل الذي كاد ان يفقد مستقبله السياسي بعد انتخابات السابع من حزيران الماضي، لو لم يلجأ اردوغان الى «حيلة» الانتخابات المبكرة، بعد ان أفشل اكثر من مرة-محاولات اقامة حكومة إئتلافية، ورفضه تقديم اي تنازلات للمعارضة، كما لم يُبدِ (اوغلو) فعل الندامة، بل ظهر في «خطابي» الانتصار، الاول، الذي القاه في مدينة قونية، والثاني في العاصمة انقرة، منتشياً مزهواً، تسبطن كلماته والمصطلحات تهديداً مبطناً للمعارضة، كالذي أوحت به تصريحات اردوغان للتلفزة التركية مباشرة بعد اعلان النتائج الأولية (غير الرسمية).
من هنا، تبرز الاسئلة الكبيرة التي ما تزال مُعلقة في الفضائين التركي والاقليمي، والتي لا تجد اجوبة عليها، بعد أن تمكن حزب العدالة والتنمية من «انتزاع» فوز، كان لو لم يتحقق، كفيل بانهاء اسطورة اردوغان وحزبه ويُفضي الى اندثاره او على الاقل انشقاقه على النحو الذي حدث مع احزاب تركية جلست في الصفوف الاولى وقادت حكومات، ثم ما لبثت ان انطفأت وطوى النسيان قادتها، وما السنوات القليلة التي سبقت بروز حزب العدالة والتنمية سوى الدليل القاطع على ذلك, بدءاً من سليمان ديميريل وبولنت اجاويد وليس انتهاء بتانسو تشيلر ومسعود يلماظ وغيرهم.
اردوغان الذي نجح في «مغامرة» الذهاب الى انتخابات مبكرة، فشل في تأمين ثُلثي مقاعد البرلمان اللازمة لتعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني الحالي الى نظام رئاسي يمنحه سلطات مطلقة (دستورياً) رغم انه فاز بـ»316» مقعداً من اصل 550 مقعداً, فضلاً عن انه في واقع الحال يُمارس سلطات كهذه ضارباً عرض الحائط بكل الاحتجاجات والتظاهرات والانتقادات الداخلية والخارجية، ولا يتورع عن اتهام الداخل والخارج على حد سواء بتدبير «مؤامرات» على تركيا للانتقاص من دورها «المنذورة له»,كما يواصل استتباع القضاء وتهميش المؤسسة العسكرية والتنيكل بالمعارضين وزج رجال الاعلام في السجون والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، دون ان يُبدي اي حس بالمسؤولية السياسية أو القانونية التي تترتب على تدخل فظ كهذا.
ويبقى السؤال الاكبر مطروحاً.. هل بتنا أمام تركيا جديدة؟ وهل سيتغير اردوغان بعد تجربة السابع من حزيران التي ستبقى «المحطة» الاكثر دلالة في مسيرته السياسية؟
.. ثمة رهان على ان الرجل لن يتغير وانه سيمضي قدماً في مشروعه الشخصي المبني في الاساس على الغرور والغطرسة والاستكبار.
والأيام ستقول لمن يرى ذلك أو..عكسه.