بموجب كتاب الجغرافيا المقرر الذي درسته كطالب في الصف الثالث الابتدائي في العام الدراسي 1943/ 1944 كان عدد سكان العاصمة 35 ألفاً أو 10% من سكان شرق الأردن البالغ 350 ألفاً ، ومع أن عدد سكان المملكة تضاعف منذ ذلك التاريخ 20 مرة فإن عمان تؤوي اليوم ثلاثة ملايين نسمة أو حوالي 40% من سكان المملكة.
كانت المملكة (الإمارة في حينه) تقسم إلى أربعة ألوية قبل أن تصبح اليوم 12 محافظة ، وقد عشت في لواء عجلون الذي كان يضم إربد وعجلون والمفرق وجرش ، ويسمى أحياناً اللواء الشمالي ، ويوصف أبناؤه بأنهم شمالات. وكان يمثل اللواء في البرلمان ثلاثة نواب أحدهم مسيحي.
الوضع السكاني الجديد تغير كثيراً وهو يخلق صعوبات وتحديات ، في مجالات التنمية والخدمات ، فكيف يمكن التعامل مع المحافظات على قدم المساواة مع أن أكبرها يعادل 28 ضعف أصغرها وهل تتحمل محافظة يقل عدد سكانها عن سكان جبل اللويبدة مجالس إدارية و(برلمانات) محلية ُمنتخبة (على أسس عشائرية) على أن يكون فيها مسؤول مالي حتى لا نقول وزير مالية محلي ، ووزير صحة محلي ، أي حكومة مصغرة وهكذا ، مما يعني أن حجم البيروقراطية سوف يتضاعف. بحيث نصبح شعباً من الموظفين.
هل يستطيع القطاع الخاص أن يموّل هذا الجيش الجرار من البيرقراطية المركزية (الراهنة) والبيرقراطيات المحلية (القادمة) ، أم أن العمل في السلطات اللامركزية سيكون تطوعياً أو خدمة علم؟.
لدينا نموذج معمول به للحكم المحلي وهو البلديات ، وتضم مجالس منتخبة وتتمتع بالاستقلالية ، ولها موازنات خاصة بها ، ولكن النتائج ليست مرضية ، فبلديات المملكة مثل الجامعات الرسمية ، غارقة في المديونية ، وما قد يتوفر لها من موارد مالية محدودة يذهب 70% منها للرواتب.
المحافظات بحاجة للتنمية ، هذا صحيح ولا خلاف عليه ، ولكن هل المطلوب أن يقوم أبناء المحافظة برسم الخطط وتوزيع النفقات واتخاذ القرارات بحجة أن أهل مكة أدرى بشعابها ، وهل أهالي المحافظات أدرى بخطط التنمية وتخصيص الموارد؟ وماذا عن المشاريع التي تغطي أكثر من محافظة ، ومن يوفق بين الموارد المتاحة التي تقل كثيراً عن الاحتياجات الملحة.
في المركزية عيوب ، ولكن عيوب اللامركزية في بلد صغير نسبياً ومجتمع تقليدي قد تكون أكبر.