من أبرز سمات انتفاضة القدس المباركة، بروز جيل فلسطيني جديد يحمل في قلبه وعقله عنفوان غضب، ورجولة ثورية يدافع عن شرف الأمة ومقدساتها، هذا الجيل الجديد صاحب الإرادة والعزيمة يقود هذه المرحلة الهامة، فمنذ اندلاع هذه الانتفاضة العفوية تصدر هذا الجيل المشهد الثوري، والغضب اليومي يتصاعد وسط الشباب والفتيات المقدسيات الذين خرجوا دفاعا عن القدس والمسجد الأقصى، كما يعلنون في كل يوم استمرار انتفاضة القدس رغم كافة محاولات اجهاضها واطفاء لهيبها.
إن الجيل الفلسطيني الجديد أفشل حسابات أنصار مسار التسوية مع الاحتلال، وأفشل خطط واتفاقيات أوسلو، وأفشل حسابات الإدارة الأمريكية التي أرسلت وزير الخارجية كيري لإبرام مبادرة جديدة لإجهاض انتفاضة القدس ، حيث أجرى الكثير من اللقاءات المكوكية هنا وهناك لإنجاح هذه المبادرة البائسة؛ إلا أن شباب الانتفاضة في كافة المناطق الفلسطينية يواصلون ثورتهم ويواصلون التحدي، وإصرارهم على رفضهم لكافة محاولات المساومة والانقضاض على الحقوق والثوابت الفلسطينية.
منذ زمن بعيد راهن العدو الصهيوني على الجيل الفلسطيني الجديد، عندما قالت العجوز الشمطاء (غولدا مائيرا) " الكبار يموتون والصغار ينسون"، وماتت هي والمئات من القادة الصهاينة، ولن ينسى الجيل الفلسطيني حقوقه وثوابته وأرضه المقدسة، لقد تغيرت المعادلة اليوم، وأنجبت فلسطين أجيالا جديدة تعرف جيدا عدوها، وتدرك أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
انتفاضة القدس اليوم بحاجة ماسة إلى الدعم والمساندة من قبل كافة الفلسطينيين في شتى بلدان العالم، لذا فإن الفلسطينيين في البلدان الأوروبية يستعدون لدعم ومساندة استمرار الانتفاضة، حيث تستعد منظمات وجهات فلسطينية ناشطة في أوروبا لتنظيم حراك تضامني واسع مع انتفاضة القدس، ويتضمن هذا الحراك فعاليات في الكثير من العواصم والمدن الأوربية نصرة لشعبنا الفلسطيني وانتفاضة القدس، وبالطبع فإن هذا الحراك في المجتمعات الأوروبية له تأثيره الكبير على الاحتلال الإسرائيلي والمنظمات اليهودية في أوروبا، بل ويزيد من حملات المقاطعة لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية، فضلا عن المقاطعة الأكاديمية التي تشهدها الكثير من الجامعات الأوربية وتزداد انتشارا في شتى مدن أوروبا .
إن هذه الانتفاضة التي انطلقت عفوية بقيادة الجيل الفلسطيني الجديد، تمثل امتدادا لانتفاضة الحجارة عام 1987م التي كان عمادها الشباب الفلسطيني الذي واجه المحتلين بالحجر والسكين، ثم انتفاضة الأقصى عام2000م التي أيضا كان عمادها ومدادها جيل الشباب الذي جعل من الحجر والكوفية الفلسطينية رمزا للحرية ومقاومة الاحتلال.
لقد فشلت محاولات المخابرات الصهيوني في تدمير الجيل الفلسطيني، حيث عملت المخابرات على تشكيل وحدات خاصة لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي واصطياد الشباب الفلسطيني وإسقاط هذا الجيل في وحل العمالة- لقد خسرت مراهنات العدو الصهيوني على هذا الجيل الذي جعل من وسائل التواصل الاجتماعي الجديد رعبا وكابوسا مزعجا للصهاينة، حيث انتشرت صور الشباب الفلسطيني الثائر وهو يحمل الحجارة وزجاجات المولوتوف في كافة مواقع التواصل الاجتماعي في نضال إلكتروني فريد جعل من قضية فلسطين تتصدر وسائل الإعلام وكافة المواقع الالكترونية، مما جعل المنظمات الصهيونية توجه مناشدة لإدارة الفيسبوك لحذف صور الانتفاضة وحذف فيديوهات عمليات طعن الجنود الصهاينة في شوارع القدس والضفة المحتلة.
كما أن جهاز المخابرات الإسرائيلية أطلق(5000) حساب (فيس بوك) عربي، لمراقبة الجيل الفلسطيني الجديد من أجل الحصول على معلومات عن طريق هذه الحسابات التي تحمل جميعها أسماء إناث باللغة العربية، كما أصدر رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو توجيهات بالعمل على تشكيل طاقم ممن يجيدون اللغة العربية، لمراقبة الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وكشف نواياهم قبل تنفيذ عمليات ضد الاحتلال.
وفي إطار تصدي العدو الصهيوني لثورة شباب فلسطين عبر صفحات التواصل الاجتماعي، فقد قامت جمعية "هناك قانون" الإسرائيلية برفع دعوة قضائية في محكمة أمريكية بولاية نيويورك ضد إدارة موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، زاعمة أنه يروج لمنشورات تحرض على العنف وقتل الإسرائيليين، و قامت الجمعية بجمع تواقيع 20 ألف (إسرائيلي) لمطالبة المحكمة بوقف ما وصفوه بالتحريض عبر فيسبوك، مؤكدة أن نجاحها في جمع هذا العدد من التواقيع يشير إلى حجم المخاوف الإسرائيلية من تأثير فيسبوك على تنفيذ عمليات فلسطينية مسلحة ضدهم.
إن الجيل الفلسطيني الجديد أصبح عقدة كبيرة تواجه (إسرائيل) في هذه الأيام، فالكثير من شهداء انتفاضة القدس كتبوا وصاياهم بالدماء على صفحات الفيس بوك؛ فهذا الشهيد مهند الحلبي ابن التاسعة عشر ربيعا كتب على صفحته الشخصية موجها رسالة للرئيس محمود عباس بعد خطابه الأخير في الأمم المتحدة قال فيها " كلمة جميلة أيها الرئيس، لكن عذراً نحن لا نعرف قدس شرقية وغربية.. فقط نعرف أن لنا قدس واحدة غير مقسمة وكل بقعة فيها مقدسة، كما قال الشهيد الحلبي " عذراً يا رئيس فما يحدث لنساء الاقصى والاقصى لن توقفه الطرق السلمية فما تربينا على الذل، والدفاع عن حرمة الاقصى ونسائه هو شرفنا و عرضنا والدفاع عنه بأي شكل أو وسيلة يعتبر قانوني. "
إن الجيل الفلسطيني الجديد الذي يقود انتفاضة القدس والضفة تختلف حساباته، عن حسابات المفاوض الفلسطيني، ويحمل نظرات ورؤى ثورية مختلفة عن رؤى المفاوض، وهو جيل عصي على الانكسار وهو عنوان المرحلة، ويرفض المبادرات السلمية الواهية التي تضيع الحقوق والثوابت الفلسطينية.