يعترف مسؤولون امنيون غربيون، ان تقسيم المنطقة العربية، فوق تقسيمها الاساس امر لامفر منه، ويقول هؤلاء علنا ان التقسيم بات واقعا على الارض. الكلام صحيح، لان التقسيم الوجداني بين الناس تحقق فعليا، قبل التقسيم الجغرافي، واذا قرأنا المشهد في العراق وسوريا، سنكتشف بكل بساطة ان منسوب الاحقاد والكراهية بين مكونات هاتين الدولتين، بات مرتفعا جدا، ومن الاستحالة التخلص من اثاره بهذه البساطة، حتى لو توقفت الحروب داخل هاتين الدولتين. مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه قال إن «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة»، مؤكدا أن دولا مثل العراق وسوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة، واضاف مدير الإدارة العامة للأمن الخارجي «دي جي اس ايه» في واشنطن خلال مؤتمر حول الاستخبارات شارك فيه أيضا مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA» جون برينان، قال إن «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى وأشك بأن يعود مجددا». مدير «CIA» جون برينان كان له وجهة نظر قريبة من وجهة نظر نظيره الفرنسي، في ذات المؤتمر، وقال برينان: «عندما انظر إلى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن يصعب علي أن اتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة أو سلطة على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية». لكننا قبل ان نحمل واشنطن وغيرها مسؤولية تفكيك المنطقة، وتحطيمها لايصالها الى هذه الحالة عبر وسائل مختلفة من بينها اغراقها بالحروب وخلخلتها اعلاميا ومذهبيا، وتصنيع الارهاب والارهاب المرتد، وتصنيع الحزبية بشكل يحولها الى اداة مواجهة في داخل الدول على اساس الصراع السايسي، لابد ان نقول ان اعادة رسم المنطقة عملية غير مضمونة النتائج في المطلق وقد لاتجري وفقا للمخططات التي تم تبنيها مسبقا. هذا امر طبيعي جداً، فقد نشهد بعد قليل تقسيم سوريا والعراق الى عشرة كيانات صغيرة معترف بها دوليا، وقد نشهد فوضى عارمة تؤدي الى تشكيل كيانات من نوع اخر بحيث يتم اعادة انتاج الشكل الجغرافي كليا، فتدخل مساحات من سوريا والعراق مع دول اخرى في شكل جديد، او مساحات من العراق وسوريا في شكل جديد. معنى الكلام انه ليس بالضروري ان يتم الانشطار على ذات الهوية الوطنية الواحدة، عراقيا وسوريا، فقد يحدث الانشطار، ويأخذنا الى تقسيم المقسم اساسا، وقد يأخذنا الى دمج وحدات جغرافية- سياسية تثبت اننا امام سيناريو التوسع او اعادة خلط الهويات الوطنية، وفرزها اليوم على اساس مذهبي، فيتوحد العراقي السني مع السوري السني، وبحيث تسقط الهوية الوطنية لصالح الهوية المذهبية او الطائفية او العرقية. في كل الحالات لولا الهشاشة في البنيان الوطني في اغلب الكيانات العربية، لما شهدنا هذا الانشطار المتسارع، ولولا المظالم الكامنة في النفوس لما خرج كل هذا الحقد والغضب بين الناس، والمؤكد ان واشنطن نجحت الى حد كبير، في التمهيد لمخطط اعادة رسم وترسيم المنطقة، والبيئة باتت جاهزة كليا، بعد هذه السنوات من الذبح والكراهية التي تتم تغذيتها اعلاميا ودينيا ومذهبيا وطائفيا. منطقة جديدة.ربما. لكن ليس بالضرورة منطقة آمنة لسياسات واشنطن وغيرها.