صافحه مرتين ، ولكنه لم يلتفت نحوه ، او ينظر في عينيه ، خلال حديثه الى وسائل الاعلام في البيت الابيض. حاول الرئيس اوباما اخفاء توتره عندما التقى « صديقه اللدود» بنيامين نتنياهو امام عدسات المصورين ، في لقائهما الاول منذ القطيعة ، وهو اللقاء الذي فرضته الضرورة ، لأسباب كثيرة تتعلق «العلاقات الاستثنائية» بين واشنطن وتل ابيب في هذه المرحلة.
اللقاء كان فرصة احتاجها الطرفان لفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما. الرئيس اوباما الذي اصبح يقف على عتبة بوابة البيت الابيض تمهيدا للخروج ، اراد تسجيل نقطة لصالح الحزب الديمقراطي عشية الانتخابات الرئاسية ، لأن الحزب الديمقراطي في سباق محموم مع الجمهوريين على الفوز بقلب اسرائيل وجذب اموال واصوات اليهود في الولايات المتحدة اضافة الى دعم الاعلام الاميركي المنحاز الى جانب اسرائيل.
لذلك تجاوز الرئيس اوباما غضبه وحاول اخفاء توتره بكيل المديح لاسرائيل والاشادة بالعلاقات الثنائية الاستثنائية ، وكرر ، ولكن بمبالغة أكثر ، التزامه بأمن اسرائيل ، كما ادان ما اسماه «العنف الفلسطيني» ضد المواطنين الاسرائيليين الابرياء ، وهو يعرف انهم من المستوطنين والجنود !أي انه أدان الضحية الذي يحمل الحجر والسكين ، وتعاطف مع الجلاد القاتل الذي يملك البندقية والمدفع والدبابة والطائرة ، والذي يمثل آخر احتلال في التاريخ..وعلى وجه الارض!
الرئيس الاميركي الذي يقف على بوابة البيت الابيض ، في الوقت الضائع ، يعرف ان ليس لديه الوقت ولا الصلاحيات ، لذلك لم يتحدث عن حل الدولتين كعادته ، ولم يمارس اية ضغوط على رئيس الحكومة اليمينية المتطرفة من أجل استئناف المفاوضات في محاولة التوصل الى الحل الذي نادت به ادارته ، واكتفى باطلاق عبارات المجاملة امام ضيفه ، ورفع شعارات التأييد لاسرائيل ومصالحها والالتزام بامنها ، لأن اسرائيل هي نقطة ضعف كل رئيس اميركي خصوصا في موسم الانتخابات.
اما نتنياهو فقد التقط الفرصة ، واستغل هذا الموقف الاسترضائي ، فقدم فاتورته التي تضمنت طلب تزويد اسرائيل بطائرات ( أف- 34 ) ومروحيات متطورة واسلحة حديثة اخرى ، كما طلب زيادة قيمة المساعدات العسكرية الاميركية لإسرائيل من 3 مليارات الى 5 مليارات دولار. بالطبع هو سيد العارفين بان الرئيس اوباما ليس لديه الوقت الكافي لتحقيق هذه المطالب في عهده ، ولكن نتنياهو اراد ان يحصل على التزام اميركي رسمي بتحقيق مطالبه في المستقبل.
الحقيقة أن اللقاء الذي كان بمثابة تطبيع العلاقات بين اوباما ونتنياهو تميز بغياب الحديث الجدي عن السلام في الشرق الاوسط ، وتمحور حول احتياجات اسرائيل الامنية ، والتنسيق العسكري ، أي انه كان اقرب الى اجتماع حرب بين الطرفين ، تحت غطاء الاحداث الدامية المشتعلة في البلاد العربية ، والتي يعرف الجميع أن السياسة الخارجية الاميركية المنحازة ، والتطرف الاسرائيلي ، وغياب العدالة الدولية ، هي من اسباب هذه الفوضى العامة في المنطقة ، وهي الاسباب التي تقود المنطقة الى حافة الهاوية نتيجة انتشار الارهاب ودعمه ، وتحقيق المشروع المشبوه الهادف الى تفكيك الدول العربية وحل الجيوش وتقسيم المجتمعات على قاعدة طائفية وعرقية ، وبالتالي تغييب القضايا القومية ، وانتزاع قضية الشعب الفلسطيني من الذاكرة العربية.
اخيرا نقول أن الاحداث تتسارع نحو الاسوأ ، في الوقت الذي لا نرى او نسمع فيه استجابة لاسغاثة الدم العربي في غياب الاستقطاب القومي.