من المفترض ألَّا يكون مستغرباً ولا مفاجئاً لا تلك الجريمة المرعبة التي أوجعت قلوب الفرنسيين ومعهم قلب كل ما تتوفر فيه ولو الحدود الدنيا من الإنسانية في العالم بأسره ولا تلك الجريمة المخيفة الوحشية التي حدثت في منطقة: «برج البراجنة» في ضاحية بيروت الجنوبية والتي لا يمكن تبريرها وإيجاد عذرٍ لمرتكبيها ومن يقف خلفهم وذلك مع أنه لا بد من تحديد وتشخيص أسبابها حتى لا تكرر مرة أخرى والواضح أنها قد تتكرر عشرات المرات إنْ لم يتم وضع حدٍّ لـ «الجو» المذهبي والطائفي الذي ترتب على تدخل إيران وبالتالي تدخل حزب الله عسكريّاً وسياسياً واستخبارياً في الأزمة السورية التي ما كان من الممكن أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا هذا التدخل وكل التدخلات الخارجية الأخرى .
لقد كان على حسن نصر الله, الذي أخذته العزة بالإثم ووصل به غرور القوة والعظمة إلى حد أنه ردد وأكثر من مرة أنه لولاه ولولا حزبه حزب الله لما صمد نظام بشار الأسد لثلاث دقائق!!, أنْ يتوقع ردّاً بكل هذا العنف والدموية عندما قال ذات يوم, وصل فيه التدخل الإيراني في سوريا ذروته وأقصى حدود بشاعته, وهو يتطلع إلى السماء من فوق أرنبة أنفه إنه يفتخر بأن يكون مقاتلاً في فيلق «الولي الفقيه» وعندما نقلت وسائل الإعلام في العالم بأسره أولاً صور مقاتلي حزبه وهم يعلقون على مأذنة مسجد عمر بن الخطاب في مدينة «القصير» في حمص شعارات مذهبية استفزازية وثانياً عندما نقلت وسائل الإعلام هذه وقبل يوم واحد فقط من جريمة «برج البراجنة» في ضاحية بيروت الجنوبية صور مغاوير حزبه وهم يحرقون شاباً من طائفة غير طائفتهم بينما كانوا يغنون ويرقصون ويطلقون صرخاتهم الطائفية .
كان يجب أن يدرك حسن نصر الله ويدرك أيضاً «العقلاء» في إيران أنَّ لكل فعلٍ رد فعل وأن التحشيد المذهبي الذي لجأوا إليه سوف يؤدي إلى تحشيد مذهبي وطائفي مضاد وأن هناك جهاتٍ «إرهابية» سوف تركب الموجة وسوف تستغل هذا التحشيد للقيام بجرائم دموية كجريمة ضاحية بيروت الجنوبية الأخيرة تظهر للأكثرية السورية وللمسلمين في كل مكان أنها هي «حامية حماهم»!! وأنها هي وليس غيرها المدافعة عن الإسلام الذي هناك إحساس عام لا يمكن إنكاره بأنه مستهدف الآن ومن قبل الذين يدَّعون أنهم هُمْ وليس غيرهم حُماته والذائدين عنه.. وهذا هو هدف عملية برج البراجنة الدموية والقذرة التي استهدفت أناساً أبرياء ينتمون إلى طائفة كريمة لا تمثلها إيران ولا يمثلها حزب الله هي الطائفة الشيعية .
إنه لا يمكن ولا يجوز تبرير هذه الجريمة النكراء التي أخطر ما قد يترتب عليها أنْ يعود لبنان إلى التذابح الطائفي مرة أخرى.. ولكن ومع ذلك فإنه لا بد من القول إلى حسن نصر الله: «يداك أوْكتا وفوك نفخ» وأنَّ إقحام حزبك وبدوافع طائفية وبأوامر إيرانية في حرب بشار الأسد القذرة فعلاً على شعبٍ لم يعد شعبه هو من خَلَقَ هذه «البيئة» المذهبية في لبنان وغير لبنان وهو ما وفر لـ «داعش» ولغير «داعش» من التنظيمات الإرهابية المبرر الذي يريده ويسعى إليه للقيام بهذه الجريمة.. والجرائم الأخرى التي قام في أماكن متعددة من العراق ومن سوريا ومن دول عربية وغير عربية أخرى .
ثم وفي الاتجاه ذاته فمع الإدانة والشجب للجرائم البشعة القذرة التي كانت باريس الجميلة, مدينة العلم والنُّور, مسرحاً لها الليلة قبل الماضية فإنه لابد من الإشارة بل القول إلى أنَّ ميوعة المواقف الغربية والموقف الأميركي في طليعتها هي ما جعلت «داعش», في سوريا وفي العراق, يتحول إلى دولة نفطية غنية فالسكوت على الإيرانيين وعلى نظام بشار الأسد وفَّر لهذا التنظيم كل إمكانيات القوة وكل إمكانيات البقاء والتمدد.. ويقيناً لو أن الدول الغربية ومن بينها فرنسا وفي مقدمتها الولايات المتحدة كانت حاسمة وحازمة منذ البدايات لما حصل كل هذا الذي يحصل ولما بادرت روسيا إلى تدخلها العسكري الأخير في الشؤون الداخلية لهذه الدولة العربية .
هناك حكمة يبدو أنها غابت عن الأميركيين والأوروبيين وغيرهم تقول: «أنه إذا كان لا بد من القتال والمواجهة فعليك أنت أن تضرب أولاً».. وهنا فإن الحقيقة أن ما نراه الآن أنَّ كل هذا العنف الدموي الذي بات يهدد الجميع ما كان من الممكن أن يكون, لولا كل هذه المواقف والسياسات المهادنة والمائعة ولولا السكوت على بقاء نظام بشار الأسد وعلى تمدد إيران في العراق وفي سوريا.. ولو تبنيهما عمليَّاً لـ «داعش» وتركه يتحول إلى دولة نفطية قادرة على اختراق الدولة التي تريد اختراقها وضرب الهدف التي تريد ضربه .