الارهابيون بصدد فرض جدول اعمالهم على العالم أجمع, في التوقيت الذي يختارونه وفي الهدف الذي يريدون ضربه.. لم تكن أحداث باريس الدموية مساء الجمعة الماضي تختلف عن تلك التي ضرب فيها داعش ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة برج البراجنة المزدحمة بالسكان الفقراء والابنية المتلاصقة, كذلك هي حال الاستاد الرياضي ومسرح باتاكلان في باريس.. إذ الصيد «ثمين» في الحالين, والمقصود دائماً هو ازهاق المزيد من الارواح وايقاع المزيد من الضحايا وسفك المزيد من الدماء, حتى يكون لـ»جهادهم» معنى وحتى يجذب عنفهم المزيد من المُضللّين وقساة القلوب ومن يملأ صدورهم الغضب على حكوماتهم أو مجتمعاتهم أو ما تسعفهم به ثقافتهم التكفيرية, وضيق آفاقهم ورفضهم الاخر ودائماً في الزعم بأنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة ويحددون معايير الايمان و»مسطرة» الدخول الى الجنة والاستمتاع بالحور العين اللائي تنتظرنه, مكافأة على جهاده شريطة أن «يقطف» من الارواح ما يؤهله لاجتياز شرط الاستمتاع بهن..
ما علينا..
ما من شك بأن باريس, كما لندن وواشنطن وروما وبرلين وموسكو والحال ذاتها في القاهرة وعمّان ودمشق وبيروت وبغداد وصنعاء والرياض واربيل دون إهمال انقرة بل خصوصاً انقرة.. باتوا جميعاً أمام ساعة الحقيقة, ولم يعد لكلام البرقيات والتصريحات المنددة والمُستنكرة والرافضة للعمليات والمجازر العابرة للقارات والاديان التي تمارسها جماعات وفصائل الارهاب بجرأة ودأب ومثابرة وصلف, تبني هذه المذابح التي لا تُشرِّف احداً, بل هي وصمة عار لن تغادر جباه هؤلاء القتلة وداعميهم و...المُمولين.
ليس مهماً أو هو المطلوب الان التركيز على نتائج عمليات الارهاب وتركيز الانظار على «عدّاد» الموتى والضحايا, كي نعرف اي مذبحة باتت تحتل الصدارة في عدد من أفناهم ارهاب داعش واخواته، بل حان الوقت كي يُدقق هؤلاء المفجوعون او الشامتون او المراقبون بغير حماسة او جدية، في اسباب هذا الارهاب وكيفية الحؤول دون تمدده وتمرير خطابه الظلامي وخصوصاً في التأشير العلني على مَنْ يدعمون ويوفِرون له الاموال والمدد البشري والامداد اللوجستي والترويج الاعلامي.
آن الاوان لأن يُقال لدولة مثل تركية (وغيرها من بعض العرب وعواصم الغرب) ان مواصلة الرهان على «داعش» واخواته من أجل إحراز «نصر» في سوريا والعراق، ليس سوى سهم مسموم مرتد سيصيب «مُطْلِقه» في مقتل، فالارهابيون وكما اثبتت وقائع الاحداث ومسارات ارهاب الجماعات الاجرامية, لا أمان لهم ولا عهد، يُقدمون من «التنازلات» التكتيكية والوعود الخُلّبِية ما ينفعهم في البداية ويصب في صالحهم على المديين المتوسط والبعيد، ولهذا يُبدون مرونة وطاعة للاجهزة الاستخبارية التي استولدتهم وظنت -بغبائها- انها قادرة على التحكم بهم وتسييرهم وفق الريموت كونترول خاصتها، فإذا بها في النهاية تُفاجأ بتمرد المخلوق على خالقه وخروجه على طاعتها وتبدأ في دفع «الفواتير» بلا توقف, تبدأ بفاتورة الدم المُراق ولا تنتهي بالابتزاز التسليحي والاستخباري وخصوصاً في توفير الملاذات الآمنة وجوازات السفر المزورة او غير المزورة كالدبلوماسية الى مجرد مواطن عادي.
اوتوستراد الدم المفتوح على اتساعه بين برج البراجنة وبرج ايفل غير قابل للتوقف، لكنه قد يضطر للتعريج على محطة او محطات اخرى لزوم إفساد الخطط الأمنية التي أُخذت على استعجال ورد فعل غاضب، لكنه مستمر في ايذائه وعنفه وخروجه على كل القيم والمبادئ الانسانية والقانون الدولي، لهذا تبدو الحاجة مُلّحة اليوم اكثر من اي يوم مضى، لإعادة الاعتبار لمجلس الأمن الدولي واستصدار قرار دولي واضح وصريح وحاسم، مُعلَن ومُلِزم تحت البند السابع باقامة تحالف دولي جديد وجدّي (غير ذلك الاستعراضي الذي اسسته واشنطن ولم يفضِ الى نتائج حاسمة او مؤثرة) لمحاربة الارهاب والتخلي عن أوهام ونزعات الهيمنة وتوظيف الارهاب لتحقيق مصالح استراتيجية لهذه الدولة الكبرى او تلك التي تتوهم أنها في الطريق الى ذلك، وما عدا ذلك فإنه سيمنح داعش واخواته المزيد من الفرص لتنفيذ تهديداته ومواصلة جرائمه البشعة.