مرّت الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس الخالد ياسر عرفات، ولكن ليس كالسنوات السابقة، بمعنى أنها جسّدت وحدة الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن الخلافات الحزبية. حتى تلك الأحزاب التي عارضت «أبو عمار» تقف اليوم إجلالاً لذكراه، وتؤكد على رمزية هذا القائد الفذّ. وإن اختلفت معه سابقاً فإنها لم تختلف عليه.
جاءت الذكرى والهبّة تزداد اشتعالاً، ولكن جاء «أبو عمار» ليوحّد الجميع تحت راية العلم الفلسطيني الواحد، وتحت شعار كلّنا للوطن.
يوم الأربعاء كان مشهوداً سواء بالحشد الجماهيري الذي شارك بالمسيرات والفعاليات، وتوجّه إلى حواجز الاحتلال بحيث زاد عدد الإصابات عن 300 إصابة حسب تقرير لجمعية الهلال الأحمر.
الملاحظ أن معظم المشاركين في المسيرات والفعاليات الشعبية هم، أيضاً، من الفتية والشباب الذين رحل عرفات وهم أطفال يَحبُون، ولكنهم يتحدثون عن الرمز وكأنه مازال موجوداً بينهم، يروون قصصاً ربما تسمع لأوّل مرّة... هم بحثوا في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أجهزة الحاسوب والـ «آي باد» وغيرها... ربما عرفوا عن عرفات أكثر من البعض الذي عايش هذا القائد.
كثير من القادة العرب وغير العرب رحلوا خلال السنوات والعقود الماضية، ولكن قليلا منهم من ظلّت ذكراه...
نحن لا نذكر، أيضاً، شعباً كاملاً يخرج في ذكرى رحيل قائده ورمزه، إلاّ في فلسطين... ويتوحّد رغم عوامل الفرقة السياسية بين قياداته في هذه الذكرى إلاّ في هذه الأرض التي ترزح تحت آخر احتلال في العالم.
إذن هو «أبو عمار» الذي حفر رمزيته في قلب كل فلسطيني بل أكثر من ذلك، ولا نستثني رمزية هذا القائد، أيضاً، خارج فلسطين.
القصص كثيرة عن الرمز والزعيم، قد يكون بعضُها مبالغاً فيه، ولكن فعلاً لقد ترك عرفات بصمات لن تُمحى في معظم دول العالم... من أميركا اللاتينية، وليس انتهاءً بآسيا وإفريقيا.
ولقد ظلت كوفية «أبو عمار» حاضرةً في عقول وقلوب مئات الملايين من البشر، الذين كانوا يعرفونه من كوفيته.
قبل 3 سنوات كانت هناك انتخابات اللجنة التنفيذية لاتحاد الصحافيين الدولي، وكانت فلسطين مرشحة عن الشرق الأوسط وآسيا... والمنافسة على أشدّها... في الطابور إلى صندوق الاقتراعات، كان ممثلو جنوب أفريقيا حاضرين... ذهبنا إليهم لنحثهم على التصويت لفلسطين... ولكن يبدو أن مسؤولهم لم يستوعب في البداية ماذا تمثل أو ربما لم يفرق بين «باليستاين» وباكستان... عندما أعدنا عليه اسم فلسطين... ردّ قائلاً «عرفات»... كنا مجموعة من الفلسطينيين شاهدين على هذا الحدث... قلنا نعم «عرفات»... فقال سأنتخب ممثلكم بشرط... وكان شرطُه مفاجئاً حيث قال: «قبل حوالي 15 عاماً حضر عرفات إلى جنوب أفريقيا، التقى الصحافيين، وأهداني كوفية، ولكنها لم تعد صالحة بعد سنوات من استخدامها... وكل ما أريده كوفية... وصلت له الكوفية وكانت أصوات الأفارقة تصبّ في صندوق الاقتراع لصالح فلسطين التي فاجأت العالم وحصلت على أعلى الأصوات... وللمرّة الأولى في تاريخ اتحاد الصحافيين الدولي الذي تحصل فيه دولة غير أوروبية على أعلى الأصوات...
إذن، هذا هو عرفات الرمز الذي عاش من أجل فلسطين واستشهد من أجل فلسطين... ولم يحمل إلاّ همّ فلسطين، تشرّد، وتحمّل كل المتاعب من أجل أن يرى طفلاً من أطفال فلسطين يرفع العلم الفلسطيني فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومساجد القدس... هذا هو الرمز والزعيم الشهيد ياسر عرفات... وهذه هي مقولاته المشهورة «يا جبل ما يهزّك ريح» و»اللّي مش عاجبه يشرب من مية البحر» و»شعب الجبارين»... وليس أخيراً «شهيداً شهيداً شهيداً» فكان له ما أراد.